﴿فويل﴾ أي : عذاب، أو واد في جهنم ﴿للمصلين الذين هم﴾ أي : بضمائرهم وخالص سرائرهم ﴿عن صلاتهم﴾ التي هي جديرة بأن تضاف إليهم لوجوبها عليهم وإيجابها لأجل مصالحهم ومنافعهم بالتزكية وغيرها ﴿ساهون﴾ أي : عريقون في الغفلة عنها وتضييعها، وعدم المبالاة بها، وقلة الالتفات إليها. وروى البغويّ بسنده أنّ النبيّ ﷺ سئل عن هذه الآية فقال :"هو إضاعة الوقت". وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال :"هم المنافقون يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس ويصلونها في العلانية مع الناس إذا حضروا" لقوله تعالى :
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٢
الذين هم﴾
أي : بجملة سرائرهم ﴿يراؤون﴾ أي : بصلاتهم وغيرها الناس، لأنهم يفعلون الخير ليراهم الناس لا لرجاء الثواب، ولا لخوف العقاب من الله تعالى، ولذلك يتركون الصلاة إذا غابوا عن الناس. وقال إبراهيم : هو الذي يلتفت في صلاته. وقال قطرب : هو الذي لا يقرأ ولا يذكر الله تعالى. وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لو قال في صلاتهم ساهون لكانت في المؤمنين. وقال عطاء : الحمد لله الذي قال تعالى :﴿عن صلاتهم ساهون﴾ ولم يقل في صلاتهم ساهون فدل على أنّ الآية في المنافقين وقال قتادة : ساه عنها لا يبالي صلى أم لم يصلّ. وقال مجاهد : غافلون عنها متهاونون بها. وقال الحسن : هو الذي إن صلاها صلاها رياء، وإن فاتته لم يندم، وقيل : هم الذي يسهون عنها قلة مبالاة بها حتى تفوتهم، أو يخرج وقتها، أو لا يصلونها كما صلاها رسول الله ﷺ والسلف، ولكن ينقرونها نقراً من غير خشوع، ولا اجتناب لما يكره فيها من العبث باللحية والثياب وكثرة التثاؤب والالتفات، لا يدري الواحد منهم عن كم انصرف، ولا ما قرأ من السورة، وكما ترى صلاة أكثر من ترى من الذين عادتهم الرياء بأعمالهم، ومنع حقوق أموالهم والمعنى : أنّ هؤلاء أحق أن يكون سهوهم عن الصلاة التي هي عماد الدين.
والفارق بين الإيمان والكفر والرياء الذي هو شعبة من الشرك ومنع الزكاة التي هي شقيقة الصلاة وقنطرة الإسلام علماً على أنهم مكذبون بالدين، وكم ترى من المتسمين بالإسلام بل بالعلم من هو منهم على هذه الصفة فيا مصيبتاه.
٦٩٣
فإن قيل : كيف جعل المصلين قائماً مقام ضمير الذي يكذب، وهو واحد ؟
أجيب : بأن معناه الجمع لأنّ المراد به الجنس. فإن قيل : أي : فرق بين قوله تعالى :﴿عن صلاتهم﴾ وقولك في صلاتهم ؟
أجيب : بأن معنى عن أنهم ساهون عنها سهو ترك وقلة التفات إليها وذلك فعل المنافقين أو الفسقة الشياطين من المسلمين، ومعنى في أن السهو يعتريهم فيها بوسوسة شيطان أو حديث نفس، وذلك لا يكاد يخلو منه مسلم.
وكان رسول الله ﷺ يقع له السهو في صلاته فضلاً عن غيره، ومن ثم أثبت الفقهاء باب سجود السهو في كتبهم. وعن أنس الحمد لله على أن لم يقل في صلاتهم، وقد مرّت الإشارة إلى بعض ذلك. فإن قيل : ما معنى المراآة ؟
أجيب : بأنها مفاعلة من الإراءة، لأن المرائي يري الناس عمله وهم يرونه الثناء عليه والإعجاب به، ولا يكون الرجل مرائياً بإظهار العمل الصالح إن كان فريضة فمن حق الفرائض الإعلان بها وتشهيرها لقوله ﷺ "ولا غمة في فرائض الله" لأنها أعلام الإسلام وشعائر الدين، ولأنّ تاركها يستحق الذم والمقت فوجب إناطة الهمة بالإظهار، وإن كان تطوّعاً فحقه أن يخفي لأنه مما لا يلام بتركه ولا تهمة فيه، فإن أظهره قاصداً للاقتدار به كان جميلاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٢
وإنما الرياء أن يقصد بالإظهار أن تراه الأعين فتثني عليه بالصلاح. وعن بعضهم : أنه رأى رجلاً في المسجد قد سجد سجدة الشكر فأطال، فقال : ما أحسن هذا لو كان في بيتك، وإنما قال هذا لأنه توسم فيه الرياء والسمعة على أنّ اجتناب الرياء صعب إلا على المرتاضين بالإخلاص. ومن ثم قال ﷺ "الرياء أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة المظلمة على المسح الأسود".
ثم بين أن من هو بهذه الصفة يغلب عليه الشح بقوله تعالى :
﴿ويمنعون﴾ أي : على تجدد الأوقات ﴿الماعون﴾ أي : حقوق الأموال والشيء اليسير من المنافع، وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : الماعون الفأس والدلو والقدر وأشباه ذلك وهي رواية عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما. وقال مجاهد : الماعون أعلاها الزكاة المفروضة، وأدناها عارية المتاع. وعن عليّ أنها الزكاة. وقال محمد بن كعب الكلبيّ : الماعون المعروف كله الذي يتعاطاه الناس فيما بينهم.
وقال قطرب : أصل الماعون من القلة، تقول العرب : ما له سعنة ولا معنة، أي : شيء قليل فسمى الزكاة والصدقة والمعروف ماعوناً لأنه قليل من كثير وقيل : الماعون ما لا يحل منعه مثل الماء والملح والنار. وقول البيضاويّ تبعاً للزمخشري عن رسول الله ﷺ "من قرأ سورة أرأيت غفر له إن كان للزكاة مؤدّياً" حديث موضوع.
٦٩٤
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٢


الصفحة التالية
Icon