جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٩
وقال تعالى :﴿فبما رحمة من الله لنت لهم﴾ (آل عمران : ١٥٩)
وقال تعالى :﴿بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (آل عمران : ١٥٩)
ثم كان مأموراً بأن يدعوهم إلى الله تعالى بالوجه الأحسن، فلذا خاطبهم بيا أيها فكانوا يقولون : كيف يليق هذا التغليظ بذلك الرفق، فأجاب بأني مأمور بهذا الكلام لا أني ذكرته من عند نفسي.
ولما كان القصد إعلامهم بالبراءة منهم من كل وجه، وأنه لا يبالي بهم بوجه لأنه محفوظ منهم قال :
﴿لا أعبد﴾ أي : الآن ﴿ما تعبدون﴾ من دون الله من المعبودات الظاهرة والباطنة بوجه من وجوه العبادات في سرّ ولا علن ؛ لأنه لا يصلح للعبادة بوجه.
﴿ولا أنتم عابدون﴾ أي : الآن ﴿ما أعبد﴾ وهو الله تعالى وحده.
﴿ولا أنا عابد﴾، أي : في الاستقبال ما عبدتم} من دون الله تعالى.
﴿ولا أنتم عابدون﴾، أي : في الاستقبال ﴿ما أعبد﴾ وهو الله وحده لا شريك له، وهذا خطاب لمن علم الله تعالى منهم أنهم لا يؤمنون. وإطلاق ما على الله تعالى على جهة المقابلة، وبهذا زال التكرار ووجه التكرار كما قال أكثر أهل المعاني : هو أن القرآن نزل بلسان العرب وعلى مجارى خطابهم ومن مذاهبهم التكرار لإرادة التأكيد والإفهام، كما أنّ من مذاهبهم الاختصار لإرادة التخفيف والإيجاز فالقائل بالتأكيد يقول قوله تعالى :﴿ولا أنا عابد ما عبدتم﴾ تأكيد لقوله تعالى :﴿لا أعبد ما تعبدون﴾ (التكاثر : ٣ ـ ٤)
وقوله تعالى :﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ثانياً تأكيد لقوله تعالى :﴿ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ ومثله ﴿فبأي آلاء ربكما تكذبان﴾ (الرحمن : ٧٧)
و﴿ويل يومئذ للمكذبين﴾ (المرسلات : ١٥)
في سورتيهما و﴿كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون﴾ وفي الحديث :"فلا أذن ثم لا أذن إنما فاطمة بضعة مني" وفائدة التأكيد هنا قطع أطماع الكفار وتحقيق الأخبار وهو إقامتهم على الكفر، وأنهم لا يسلمون أبداً وعلى الأوّل قد تقيدت كل جملة بزمان غير الزمان الآخر قال ابن عادل : وفيه نظر كيف يقيد رسول الله ﷺ نفي
٧٠٠
عبادته لما يعبدون بزمان، وهذا مما لا يصح اه. وقد يردّ هذا بأنه ﷺ نفى في الجملة الأولى الحال، وفي الثانية الاستقبال وقول البيضاوي : فإن لا، لا تدخل إلا على مضارع بمعنى الاستقبال كما أنّ ما لا تدخل إلا على المضارع بمعنى الحال جرى على الغالب فيهما
ولما أيس منهم ﷺ قال :﴿لكم دينكم﴾ أي : الذي أنتم عليه من الشرك ﴿ولي دين﴾ أي : الذي أنا عليه من التوحيد وهو دين الإسلام، وفي هذا معنى التهديد كقوله تعالى :﴿لنا أعمالنا ولكم أعمالكم﴾ (القصص : ٥٥)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٩
أي : إن رضيتم بدينكم فقد رضينا بديننا، وهذا كما قال الجلال المحلي : قبل أن يؤمر بالحرب، وقيل : السورة كلها منسوخة وقيل : ما نسخ منها شيء لأنها خبر، ومعنى لكم دينكم، أي : جزاء دينكم ولي دين، أي : جزاء ديني وسمي دينهم ديناً لأنهم اعتقدوه، وقيل : المعنى : لكم جزاؤكم ولي جزائي لأنّ الدين الجزاء، وحذفت ياء الإضافة من دين للتبعية وقفاً ووصلاً. قرأ نافع وهشام وحفص والبزي بخلاف عنه بفتح الياء والباقون بإسكانها.
فائدة : قال الرازي : جرت العادة بأنّ الناس يتمثلون بهذه الآية عند المتاركة وذلك غير جائز، لأنه تعالى ما أنزل القرآن ليتمثل به بل ليتدبر فيه فيعمل بموجبه.
وقول البيضاوي تبعاً للزمخشريّ عن رسول الله ﷺ "من قرأ سورة الكافرين فكأنما قرأ ربع القرآن، وتباعدت منه مردة الشياطين، وبرئ من الشرك، ويعافى من الفزع الأكبر" حديث موضوع إلا الجملة الأولى منه فرواها الترمذي.
٧٠١
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦٩٩