قال ﷺ "إنّ الله تعالى تجاوز لأمّتي عما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم به". وعن عقبة بن عامر قال :"قال رسول الله ﷺ ألم تر آيات نزلت الليلة لم ير مثلهنّ قط ﴿أعوذ برب الفلق﴾ و﴿أعوذ برب الناس﴾. وعنه أيضاً أنّ رسول الله ﷺ قال :"ألا أخبرك بأفضل ما تعوّذ
٧٢٤
به المتعوذ ؟
قلت : بلى، قال :﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و﴿قل أعوذ برب الناس﴾.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :"كان رسول الله ﷺ إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهم وقرأ ﴿قل هو الله أحد﴾ و﴿قل أعوذ برب الفلق﴾ و﴿قل أعوذ برب الناس﴾ ثم مسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجه وما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات". وعنها أيضاً "أن رسول الله ﷺ كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوّذتين وينفث، فلما اشتدّ وجعه كنت أقرأهما عليه وأمسح عنه بيده رجاء بركتها". وعن ابن عمر قال : قال رسول الله ﷺ "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به أناء الليل وأطراف النهار". وعن ابن عباس قال :"قال رجل : يا رسول الله، أي : الأعمال أحب إلى الله تعالى ؟
قال : الحال المرتحل، قال : وما الحال المرتحل ؟
قال : الذي يضرب من أوّل القرآن إلى آخره كلما حل ارتحل".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٢٢
وعن أبي هريرة أنه سمع النبي ﷺ يقول :"ما أذن الله لأحد ما أذن لنبيّ حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به".
لطيفة : نختم بها كما ختم بها الفخر الرازي رحمه الله تعالى تفسيره، وهي أن المستعاذ به في السورة الأولى مذكور بصفة واحدة، وهي أنه رب الفلق والمستعاذ منه ثلاثة أنواع من الآفات : وهي الغاسق والنفاثات والحاسد. وأمّا في هذه السورة فالمستعاذ به مذكور بصفات ثلاث : وهي الرب والملك والإله، والمستعاذ منه آفة واحدة وهي الوسوسة.
والفرق بين الموضعين أن الثناء يجب أن يقدر بقدر المطلوب، فالمطلوب في السورة الأولى سلامة النفس والبدن، والمطلوب في السورة الثانية سلامة الدين، وهذا تنبيه على أنّ مضرة الدين وإن قلت أعظم من مضار الدنيا وإن عظمت.
وهذا آخر ما يسره الله تعالى من السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير فدونك تفسيراً كأنه سبيكة عسجد، أو در منضد جمع من التفاسير معظمها ومن القراءات متواترها، ومن الأقاويل أظهرها، ومن الأحاديث صحيحها وحسنها محرّر الدلائل في هذا الفنّ مظهراً لدقائق استعملنا الفكر فيها إذا الليل جنّ، فإذا ظفرت بفائدة شاردة فادع لي بالتجاوز والمغفرة، أو بزلة قلم أو لسان فافتح لها باب التجاوز والمعذرة :
*فلا بدّ من عيب فإن تجدنه ** فسامح وكن بالستر أعظم مفضل*
*فمن ذا الذي ما ساء قط ومن له ال ** محاسن قد تمت سوى خير مرسل*
٧٢٥
وأنا أعوذ بجميع كلمات الله الكاملة التامّة، وألوذ بكنف رحمته الشاملة العامّة من كل ما يكلم الدين ويثلم اليقين، أو يعود في العاقبة بالندم، أو يقدح في الإيمان المسوط باللحم والدم، وأسأله بخضوع العنق وخشوع البصر، ووضع الخد لجلاله الأعظم الأكبر مستشفعاً إليه بنوره الذي هو الشيبة في الإسلام، متوسلاً إليه بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وبالتوبة الممحصة للآثام وبما عنيت به من مصابرتي على تواكل من القوي، وتخاذل من الخطأ، ثم أسأله بحق صراطه المستقيم، وقرآنه المجيد الكريم، وبما لقيت من كدح اليمين، وعرق الجبين في عمل هذا التفسير المبين عن حقائقه المخلص عن مضايقه، المطلع على غوامضه، المثبت في مداحضه، المكتنز بالفوائد التي لا توجد إلا فيه المحيط بما لا يكتنه من بديع ألفاظه، ومعانيه مع الإيجاز الحاذف للفضول، وتجنب المستكره المملول متوسط الحجم، وخير الأمور أوساطها لا تفريطها ولا إفراطها. هذا ولسان التقصير في طول مدحه قصير :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧٢٢
أعيذه بالمصطفى من حاسد قد هما
*بذمّه وقد غدا من أجله مهتما
*فليس يبغي ذمّه إلا بغيض أعمى
*كفاه ربي شرهم وزان منه الرسما
*وزاد في تدبيرهم تدميرهم والغما
*وردّهم بغيظهم فلم ينالوا غنما
*وزاده سعادة ولازمته النعمى