قال البقاعي : والظاهر أنّ هذا اليوم يوم بدر فإنهم كانوا قاطعين بالنصر فيه فما أغنى أحد منهم عن أحد شيئاً كما قال أبو سفيان بن الحارث : ما هو إلا أنا ألقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤوا ويأسروننا كيف شاؤوا.
وقوله تعالى :﴿يوم لا يغني﴾ أي : بوجه من الوجوه بدل من يومهم ﴿عنهم كيدهم﴾ أي : الذي يرمونه بهذه الأقوال المتناقضة ﴿شيئاً﴾ من الإغناء في دفع شيء يكرهونه من الموت ولا غيره كما يظنون أنه يغني عنهم في غير ذلك من أحوال هذه الدار ﴿ولا هم ينصرون﴾ أي : يتجدد لهم نصر ما في ساعة ما يمنعهم من العذاب.
وقوله تعالى :﴿وإنّ للذين ظلموا﴾ يجوز أن يكون من إيقاع الظاهر موضع المضمر وأن لا يكون، والمعنى : وإنّ للذين أوقعوا الأشياء في غير مواقعها كما يقولونه في القرآن ويفعلونه من العصيان ويعتقدونه من الشرك والبهتان ﴿عذاباً دون ذلك﴾ أي : غير عذاب ذلك اليوم قال ابن عباس : يعني القتل يوم بدر وقال الضحاك : هو الجوع والقحط سبع سنين وقال البراء بن عازب : عذاب القبر، والآية تحتمل هذه المعاني كلها ﴿ولكنّ أكثرهم لا يعلمون﴾ أن العذاب نازل بهم.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
واصبر﴾
أي : أوجد هذه الحقيقة لتصبر على ما أنت عليه من أداء الرسالة ﴿لحكم ربك﴾ أي : المحسن إليك فإنه هو المريد لذلك ولو لم يرده لم يكن شيء منه فهو إحسان منه إليك وتدريب لك وترقية في معارج الحكم، وسبب عن ذلك قوله تعالى مؤكداً لما يغلب على الطبع البشري في بعض أوقات الامتحان من نوع نسيان ﴿فإنك بأعيننا﴾ أي : بمرأى منا نراك ونحفظك، وجمع لما اقتضته نون العظمة التي هذا سياقها وهي ظاهرة في الجمع، وإشارة إلى أنه محفوظ بالجنود الذين
١١٤
رؤيتهم من رؤيته سبحانه وتعالى ﴿وسبح﴾ ملتبساً ﴿بحمد ربك﴾ أي : المحسن إليك فأثبت له كل كمال من تنزيهك له عن كل نقص فلا يكون في ملكه ما لا يريد ولا يريد إلا ما هو حكمة بالغة ﴿حين تقوم﴾ قال سعيد بن جبير وعطاء : أي قل حين تقوم من مجلسك : سبحانك اللهم وبحمدك فإن كان المجلس خيراً ازددت إحساناً وإن كان غير ذلك كان كفارة له.
وروى أبو هريرة أنّ رسول الله ﷺ قال "من جلس مجلساً وكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه : سبحانك اللهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا كان كفارة لما بينهما" أي من الذنوب الصغائر. وقال ابن عباس : معناه صل لله حين تقوم من مقامك وقال الضحاك والربيع : إذا قمت إلى الصلاة فقل سبحانك اللهمّ وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدّك ولا إله غيرك، وقال الكلبي : هو ذكر الله تعالى باللسان حتى تقوم من الفراش إلى أن تدخل في الصلاة لما روى عاصم بن حميد قال : سألت عائشة بأيّ شيء كان يفتتح رسول الله ﷺ قيام الليل فقالت "كان إذا قام كبر عشراً وحمد الله تعالى عشراً وهلل عشراً واستغفر عشراً، وقال : اللهمّ اغفر لي واهدني وارزقني وعافني، ويتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة" وقيل حين تقوم لأمر ما.
﴿ومن الليل﴾ أي : الذي هو محل السكون والراحة ﴿فسبحه﴾ أي : صلّ له قال مقاتل : يعني صلاة المغرب والعشاء ﴿وإدبار النجوم﴾ أي : صل الركعتين قبل صلاة الفجر وذلك حين تدبر النجوم أي تغيب بضوء الصبح هذا قول أكثر المفسرين وقال الضحاك : هي فريضة صلاة الصبح وهذه الآية نظير قوله تعالى :﴿فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون﴾ (الروم : ١٧)
وقد تقدم الكلام عليها قال الرازي :
قال تعالى هنا :﴿وإدبار النجوم﴾ وقال في سورة ق :﴿وأدبار السجود﴾ (ق : ٤٠)
فيحتمل أن يكون المعنى واحداً والمراد من السجود جمع ساجد والنجوم سجود قال تعالى :﴿والنجم والشجر يسجدان﴾ (الرحمن : ٦)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤
وقيل المراد من النجوم نجوم السماء وقيل النجم ما لا ساق له من النبات قال الله تعالى :﴿ولله يسجد من في السموات والأرض﴾ (الرعد : ١٥)
الآية أو المراد من النجوم الوظائف وكل وظيفة نجم في اللغة أي إذا فرغت من وظائف الصلاة فقل سبحان الله كما مرّ، وما رواه البيضاوي تبعاً للزمخشري من أنه ﷺ قال :"من قرأ سورة والطور كان حقاً على الله أن يؤمنه من عذابه وأن ينعمه في جنته" حديث موضوع.
١١٥
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٤


الصفحة التالية
Icon