الثاني : أوحى إليه الصلاة. الثالث : أن أحداً من الأنبياء لا يدخل الجنة قبلك وأنّ أمة من الأمم لا تدخلها قبل أمتك. الرابع : أنه مبهم لا يطلع عليه أحد وتعبدنا به على الجملة. الخامس : أنّ ما للعموم والمراد كل ما جاء به جبريل.
﴿ما كذب الفؤاد﴾ أي : فؤاد النبيّ ﷺ ﴿ما رأى﴾ أي : ما رآه ببصره من صورة جبريل عليه السلام، وهذا أيضاً ما جرى عليه الجلال المحلي. وقال البقاعي : ما رأى البصر أي حين رؤية البصر كأنه حاضر القلب لا أنها رؤية بصر فقط يمكن فيها الخلو عن حضور القلب وقال القشيري ما معناه : ما كذب فؤاد النبي ﷺ ما رآه ببصره على الوصف الذي علمه قبل أن رآه، فكان علمه حق اليقين وقرأ هشام بتشديد الذال والباقون بالتخفيف.
وقوله تعالى :﴿أفتمارونه﴾ أي : تجادلونه وتغلبونه ﴿على ما يرى﴾ خطاب للمشركين المكذبين رؤية النبيّ ﷺ لجبريل، وهذا ما قاله ابن مسعود وعائشة. ومن قال : إنّ المرئي هو الله
١١٩
تعالى اختلفوا في معنى الرؤية فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده وهو قول ابن عباس قال : رآه بفؤاده مرّتين ما كذب الفؤاد ما رأى، وقال أنس والحسن وعكرمة : رأى محمد ﷺ ربه عز وجل بعينه، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إنّ الله تعالى اصطفى إبراهيم عليه السلام بالخلة واصطفى في موسى عليه السلام بالكلام واصطفى محمداً ﷺ بالرؤية وكانت عائشة تقول لم ير محمد ﷺ ربه وتحمل الرؤية على رؤية جبريل قال مسروق قلت لعائشة : يا أمّتاه هل رأى محمد ربه فقالت لقد قف شعري مما قلت، أين أنت من ثلاث من حدّثكهنّ فقد كذب ؟
من حدّثك أنّ محمداً رأى ربه فقد كذب ثم قرأت ﴿لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير﴾ (الأنعام : ١٠٣)
﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب﴾ (الشورى : ٥١)
ومن حدّثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت ﴿وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت﴾ (لقمان : ٣٤)
. ومن حدّثك أنه كتم شيئاً مما أنزل الله تعالى فقد كذب، ثم قرأت ﴿يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك﴾ (المائدة : ٦٧)
الآية ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين"، وروى أبو ذر قال سألت رسول الله ﷺ هل رأيت ربك "قال نور أنّى أراه" وحاصل المسألة : أنّ الصحيح ثبوت الرؤية وهو ما جرى عليه ابن عباس حبر الأمّة، وهو الذي يرجع إليه في المعضلات، وقد راجعه أبو عمرو فأخبره أنه رآه ولا يقدح في ذلك حديث عائشة، لأنها لم تخبر أنها سمعت من رسول الله ﷺ أنه قال لم أر وإنما اعتمدت على الاستنباط مما تقدم وجوابه ظاهر، فإنّ الإدراك هو الإحاطة والله تعالى لا يحاط به وإذا ورد النص بنفي الإحاطة لا يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة، وأجيب عن احتجاجها بقوله تعالى :﴿وما كان لبشر أن يكلمه الله﴾ (الشورى : ٥١)
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١١٦
الآية بأنه لا يلزم من الرؤية وجود الكلام حال الرؤية فيجوز وجود الرؤية من غير كلام، وبأنه عام مخصوص بما تقدّم من الأدلة.
وأمّا قوله ﷺ "نور أنّى أراه" فقال الماوردي : الضمير في أراه عائد إلى الله تعالى ومعناه : إنه خالق النور المانع من رؤيته أي رؤية إحاطة كما مرّ إذ من المستحيل أن تكون ذات الله نوراً إذ النور من جملة الأجسام والله تعالى منزه عن ذلك فإن قيل : هلا قيل أفتمارونه على ما رأى بصيغة الماضي لأنهم إنما جادلوه حين أسري به فقالوا : صف لنا بيت المقدس وأخبرنا عن عيرنا في الطريق وغير ذلك مما جادلوه به وما الحكمة في إبرازه بصيغة المضارع أجيب : بأنّ التقدير أفتمارونه على ما يرى فكيف وهو قد رآه في السماء فماذا تقولون فيه.
والواو في قوله تعالى :﴿ولقد رآه﴾ يحتمل أن تكون عاطفة ويحتمل أن تكون للحال أي : كيف تجادلونه فيما رآه وهو قد رآه ﴿نزلة أخرى﴾ على وجه لا شك فيه.
تنبيه : قوله تعالى :﴿نزلة﴾ فعلة من النزول كجلسة من الجلوس فلا بدّ من نزول، واختلفوا في ذلك النزول. وفيه وجوه :
الأوّل : أنّ الضمير في رآه عائد إلى جبريل أي رأى جبريل نزلة أخرى أي رأى جبريل في صورته التي خلق عليها نازلاً من السماء مرّة أخرى وذلك أنه رآه في صورته مرتين مرة في الأرض ومرّة في السماء ﴿عند سدرة المنتهى﴾ قال الرازي : ويحتمل أن تكون النزلة لمحمد صلى الله عليه وسلم
١٢٠