﴿وأنه هو﴾ أي : لا غيره ﴿رب الشعرى﴾ أي : رب معبودهم وكانت خزاعة تعبد الشعرى، وأوّل من سنّ ذلك رجل من أشرافهم يقال له أبو كبشة عبدها وقال : لأن النجوم تقطع السماء عرضاً والشعرى تقطعها طولاً فهي مخالفة لها فعبدها وعبدتها خزاعة وحمير، وأبو كبشة أحد أجداد النبيّ ﷺ من قبل أمّهاته وبذلك كان مشركو قريش يسمون النبيّ ﷺ بابن أبي كبشة حين دعا إلى الله تعالى وخالف أديانهم تشبيهاً بذلك الرجل في أنه أحدث ديناً غير دينهم.
والشعرى في لسان العرب كوكبان : تسمى أحدهما الشعرى العبور وهي المرادة في الآية الكريمة وهي تطلع بعد الجوزاء في شدّة الحرّ ويقال لها : مرزم الجوزاء وتسمى كلب الجبار أيضاً، وتسمى الشعرى اليمانية. والثانية : الشعرى الغميصاء وهي التي في الذراع والمجرة بينهما، وتسمى الشامية وسبب تسميتها بالغميضاء على ما زعمه العرب أنهما كانا أختين أو زوجتين لسهيل فانحدر سهيل إلى اليمن فأتبعته الشعرى العبور فعبرت المجرة فسميت العبور، وأقامت الغميصاء تبكي حتى غمصت عينها ولذلك كانت أخفى من العبور وكان من لا يعبد الشعرى من العرب يعظمها ويعتقد تأثيرها في العالم.
١٣٦
﴿وأنه أهلك عاداً الأولى﴾ وهم قوم هود عليه السلام هلكوا بريح صرصر، والأخرى قوم صالح وقيل : الأخرى إرم وقيل : الأولى أول الخلق هلاكاً بعد قوم نوح، وقرأ نافع وأبو عمرو بتشديد اللام بعد الدال المفتوحة نقلاً وهمز قالون الواو بعد اللام همزة ساكنة والباقون بتنوين الدال وكسر التنوين وسكون اللام وبعدها همزة مضمومة، فإذا قرأ القارئ عاد الأولى لقالون وأبي عمرو فله في الوصل أي وصل عاد بالأولى وجه واحد وهو النقل المذكور، وقالون على أصله بالهمزة كما ذكر، فإذا وقف على عاداً وابتدأ بالولى فله الابتداء بهمزة الوصل وهو ألولى، وله أيضاً الابتداء بغير همز الوصل وهو لولى، وقالون يهمز الواو في الوجهين الأوّلين ولم يهمز في الوجه الثالث الذي هو الأصل، ووافقهما ورش في الأوجه المذكورة في الوصل والابتداء لا في الوجه الثالث الذي هو الأصل فإنه ليس من مذهبه إلا النقل.
﴿
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٥
وثموداً﴾
وهم قوم صالح أهلكهم الله تعالى بصحية ﴿فما أبقى﴾ منهم أحداً، وقرأ عاصم وحمزة بغير تنوين للدّال في الوصل وسكون الدال في الوقف والباقون بالتنوين في الوصل والوقف على الألف.
﴿وقوم نوح﴾ أي : أهلكهم لأجل ظلمهم بالتكذيب ﴿من قبل﴾ أي : قبل الفريقين ﴿إنهم﴾ أي : قوم نوح ﴿كانوا﴾ أي : بما لهم من الأخلاق التي هي كالجبلات التي لا انفكاك عنها ﴿هم﴾ أي : خاصة ﴿أظلم﴾ أي : من الطائفتين المذكورتين ﴿وأطغى﴾ أي : وأشدّ تجاوزاً في الظلم وعلوّاً وإسرافاً في المعاصي وتجبراً وعتوّاً لتمادي دعوة نوح عليه السلام قريباً من ألف سنة، ولأنهم أطول أعماراً وأشدّ أبداناً وكانوا مع ذلك ملء الأرض، روي أنّ الرجل منهم كان يأخذ بيد ابنه فينطلق به إلى نوح عليه السلام فيقول : احذر هذا فإنه كذاب، وإنّ أبي قد مشى بي إلى هذا وقال لي ما قلت لك فيموت الكبير على الكفر وينشأ الصغير على وصية أبيه ولهذا قال نوح عليه السلام :﴿رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً﴾ (نوح : ٢٦ ـ ٢٧)
وقوله تعالى :﴿والمؤتفكة﴾ منصوب بقوله تعالى :﴿أهوى﴾ وقدّم لأجل الفواصل، والمراد بالمؤتفكة قرى قوم لوط رفعها إلى عنان السماء على جناح جبريل عليه السلام، ثم أهواها إلى الأرض أي أسقطها وأتبعها بحجارة النار الكبريتية، وهو قوله تعالى :﴿فغشاها﴾ أي : أتبعها ما غطاها فكان لها بمنزلة الغشاء وهوّله بقوله تعالى :﴿ما غشى﴾ أي : أمراً عظيماً من الحجارة المنضودة المسمومة وغيرها مما لا تسع العقول وصفه.
﴿فبأيّ آلاء﴾ أي : أنعم ﴿ربك﴾ أي : المحسن إليك ﴿تتمارى﴾ أي : تشك أيها الإنسان وقيل : أراد الوليد بن المغيرة وقال ابن عباس : تتمارى أي تكذب وقيل : الخطاب للنبيّ ﷺ أي تشك في إجالة الخواطر في فكرك في إرادة هداية جميع قومك بحيث لا تريد أن أحداً منهم يهلك، وقد حكم ربك بإهلاك كثير منهم لما اقتضته حكمته فكان بعض خواطرك في تلك الإجالة يشكك ببعضها بعضاً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٥
﴿هذا﴾ أي : النبي ﷺ ﴿نذير﴾ أي : محذر بليغ التحذير ﴿من النذر الأولى﴾ أي : من جنسهم أي رسول كالرسل قبله أرسل إليكم كما أرسلوا إلى أقوامهم، وقال تعالى ﴿الأولى﴾ على تأويل الجماعة، أو هذا القرآن نذير من النذر الأولى أي إنذار من جنس الإنذارات الأولى التي أنذر بها من قبلكم.
١٣٧
﴿أزفت الأزفة﴾ أي : قربت الموصوفة بالقرب في قوله تعالى :﴿اقتربت الساعة﴾ (القمر : ١)
وهو يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon