البحث الأول : قال الزجاج : القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه، والقنطرة مأخوذة من ذلك لتوثقها بعقد الطاق، فالقنطار مال كثير يتوثق الإنسان به في دفع أصناف النوائب، وحكى أبو عبيد عن العرب أنهم يقولون : إنه وزن لا يحد، واعلم أن هذا هو الصحيح، ومن الناس من حاول تحديده، وفيه روايات : فروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"القنطار إثنا عشر ألف أوقية" وروى أنس عنه أيضاً أن القنطار ألف دينار، وروى أُبي بن كعب أنه عليه السلام قال : القنطار ألف ومائتا أوقية وقال ابن عباس : القنطار ألف دينار أو إثنا عشر /ألف درهم، وهو مقدار الدية، وبه قاس الحسن، وقال الكلبي : القنطار بلسان الروم ملء مسك ثور من ذهب أو فضة، وفيه أقوال سوى ما ذكرنا لكنا تركناها لأنها غير مقصودة بحجة ألبتة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٩
البحث الثاني :﴿الْمُقَنطَرَةِ﴾ منفعلة من القنطار، وهو للتأكيد، كقولهم : ألف مؤلفة/ وبدرة مبدرة، وإبل مؤبلة، ودراهم مدرهمة، وقال الكلبي : القناطير ثلاثة، والمقنطرة المضاعفة، فكان المجموع ستة.
البحث الثالث : الذهب والفضة إنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء، وصفة المالكية هي القدرة، والقدرة صفة كمال، والكمال محبوب لذاته، فلما كان الذهب والفضة أكمل الوسائل إلى تحصيل هذا الكمال الذي هو محبوب لذاته وما لا يوجد المحبوب إلا به فهو محبوب، لا جرم كانا محبوبين.
المسألة الخامسة :﴿وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ﴾ قال الواحدي : الخيل جمع لا واحد له من لفظه، كالقوم والنساء والرهط، وسميت الأفراس خيلاً لخيلائها في مشيها، وسميت حركة الإنسان على سبيل الجولان اختيالا، وسمي الخيال خيالا، والتخيل تخيلا، لجولان هذه القوة في استحضار تلك الصورة، والأخيل الشقراق، لأنه يتخيل تارة أخضر، وتارة أحمر، واختلفوا في معنى ﴿الْمُسَوَّمَةِ﴾ على ثلاثة أقوال الأول : أنها الراعية، يقال : أسمت الدابة وسومتها إذا أرسلتها في مروجها للرعي، كما يقال : أقمت الشيء وقومته، وأجدته وجودته، وأنمته ونومته، والمقصود أنها إذا رعت ازدادت حسناً، ومنه قوله تعالى :﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ (النحل : ١٠).
والقول الثاني : المسومة المعلمة قال أبو مسلم الأصفهاني : وهو مأخوذ من السيما بالقصر والسيماء بالمد، ومعناه واحد، وهو الهيئة الحسنة، قال الله تعالى :﴿سِيمَاهُمْ فِى وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ (الفتح : ٢٩) ثم القائلون بهذا القول اختلفوا في تلك العلامة، فقال أبو مسلم : المراد من هذه العلامات الأوضاح والغرر التي تكون في الخيل، وهي أن تكون الأفراس غراً محجلة، وقال الأصم : إنما هي البلق، وقال قتادة : الشية، وقال المؤرج : الكي، وقول أبي مسلم أحسن لأن الإشارة في هذه الآية إلى شرائف الأموال، وذلك هو أن يكون الفرس أغر محجلا، وأما سائر الوجوه التي ذكروها فإنها لا تفيد شرفاً في الفرس.
القول الثالث : وهو قول مجاهد وعكرمة : أنها الخيل المطهمة الحسان، قال القفال : المطهمة المرأة الجميلة.
المرتبة السادسة :﴿الانْعَـامِ﴾ وهيي جمع نعم، وهي الإبل والبقر والغنم، ولا يقال للجنس الواحد منها : نعم إلا للإبل خاصة فإنها غلبت عليها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٩
المرتبة السابعة :﴿الْحَرْثِ﴾ وقد ذكرنا اشتقاقه في قوله ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ﴾ (البقرة : ٢٠٥).
ثم إنه تعالى لما عدد هذه السبعة قال :﴿ذَالِكَ مَتَـاعُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا ﴾ قال القاضي : ومعلوم أن متاعها إنما خلق ليستمتع به فكيف يقال إنه لا يجوز إضافة التزيين إلى الله تعالى، ثم قال للاستمتاع بمتاع الدنيا وجوه : منها أن ينفرد به من خصه الله تعالى بهذه النعم فيكون مذموماً ومنها أن يترك الانتفاع به مع الحاجة إليه فيكون أيضاً مذموماً، ومنها أن ينتفع به في وجه مباح من غير أن يتوصل بذلك إلى مصالح الآخرة، وذلك لا ممدوح ولا مذموم، ومنها أن ينتفع به على وجه يتوصل به إلى مصالح الآخرة وذلك هو الممدوح.
ثم قال تعالى :﴿وَاللَّهُ عِندَه حُسْنُ الْمَاَابِ﴾ اعلم أن المآب في اللغة المرجع، يقال : آب الرجل إياباً وأوبة وأبية ومآبا، قال الله تعالى :﴿إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ﴾ والمقصود من هذا الكلام بيان أن من آتاه الله الدنيا كان الواجب عليه أن يصرفها إلى ما يكون فيه عمارة لمعاده ويتوصل بها إلى سعادة آخرته، ثم لما كان الغرض الترغيب في المآب وصف المآب بالحسن.
فإن قيل : المآب قسما : الجنة وهي في غاية الحسن، والنار وهي خالية عن الحسن، فكيف وصف المآب المطلق بالحسن.
قلنا : المآب المقصود بالذات هو الجنة، فأما النار فهي المقصود بالغرض/ لأنه سبحانه خلق الخلق للرحمة لا للعذاب، كما قال : سبقت رحمتي غضبي، وهذا سر يطلع منه على أسرار غامضة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٥٩
١٦٣
في الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon