المسألة الأولى : اتفق القرّاء على كسر ﴿ءَانٍ﴾ إلا الكسائي فإنه فتح ﴿ءَانٍ﴾ وقراءة الجمهور ظاهرة، لأن الكلام الذي قبله قد تم، وأما قراءة الكسائي فالنحويون ذكروا فيه ثلاثة أوجه : الأول : أن التقدير : شهد الله أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام وذلك لأن كونه تعالى واحداً موجب أن يكون الدين الحق هو الإسلام لأن دين الإسلام هو المشتمل على هذه الوحدانية والثاني : أن التقدير : شهد الله أنه لا إله إلا هو، وأن الدين عند الله الإسلام الثالث : وهو قول البصريين أن يجعل الثاني بدلاً من الأول، ثم إن قلنا بأن دين الإسلام مشتمل على التوحيد نفسه كان هذا من باب قولك : ضربت زيداً نفسه، وإن قلنا : دين الإسلام مشتمل على التوحيد كان هذا من باب بدل الاشتمال، كقولك : ضربت زيداً رأسه.
فإن قيل : فعلى هذا الوجه وجب أن لا يحسب إعادة اسم الله تعالى كما يقال : ضربت زيداً رأس زيد.
قلنا : قد يظهرون الاسم في موضع الكناية، قال الشاعر :
لا أرى الموت يسبق الموت شي
وأمثاله كثيرة.
المسألة الثانية : في كيفية النظم من قرأ ﴿إِنَّ الدِّينَ﴾ بفتح ﴿ءَانٍ﴾ كان التقدير : شهد الله لأجل أنه لا إله إلا هو أن الدين عند الله الإسلام، فإن الإسلام إذا كان هو الدين المشتمل على التوحيد، والله تعالى شهد بهذه الوحدانية كان اللازم من ذلك أن يكون الدين عند الله الإسلام، ومن قرأ ﴿إِنَّ الدِّينَ﴾ بكسر الهمزة، فوجه الاتصال هو أنه تعالى بيّن أن التوحيد أمر شهد الله بصحته، وشهد به الملائكة وأولوا العلم، ومتى كان الأمر كذلك لزم أن يقال ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسْلَـامُ ﴾.
المسألة الثالثة : أصل الدين في اللغة الجزاء، ثم الطاعة تسمى ديناً لأنها سبب الجزاء، وأما الإسلام ففي معناه في أصل اللغة أوجه الأول : أنه عبارة عن الدخول في الإسلام أي في الانقياد والمتابعة، قال تعالى :﴿وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى ا إِلَيْكُمُ السَّلَـامَ﴾ (النساء : ٩٤) أي لمن صار منقاداً لكم ومتابعاً لكم والثاني : من أسلم أي دخل في السلم، كقولهم : أسنى وأقحط وأصل السلم السلامة الثالث : قال ابن الأنباري : المسلم معناه المخلص لله عبادته من قولهم : سلم الشيء لفلان، أي خلص له فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة لله تعالى، هذا ما يتعلق بتفسير لفظ الإسلام في أصل اللغة، أما في عرف الشرع فالإسلام هو الإيمان، والدليل عليه وجهان الأول : هذه الآية فإن قوله ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الاسْلَـامُ ﴾ يقتضي أن يكون الدين المقبول عند الله ليس إلا الإسلام، فلو كان الإيمان غير الإسلام وجب أن لا يكون الإيمان ديناً مقبولاً عند الله، ولا شك في أنه باطل الثاني : قوله تعالى :﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الاسْلَـامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ (آل عمران : ٨٥) فلو كان الإيمان غير الإسلام لوجب أن لا يكون الإيمان ديناً مقبولاً عند الله تعالى.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ١٧١
فإن قيل : قوله تعالى :﴿قَالَتِ الاعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـاكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ (الحجرات : ١٤) هذا صريح في أن الإسلام مغاير للإيمان.
قلنا : الإسلام عبارة عن الانقياد في أصل اللغة على ما بينا، والمنافقون انقادوا في الظاهر من خوف السيف، فلا جرم كان الإسلام حاصلاً في حكم الظاهر/ والإيمان كان أيضاً حاصلاً في حكم الظاهر، لأنه تعالى قال :﴿وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَـاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ﴾ (البقرة : ٢٢١) والإيمان الذي يمكن إدارة الحكم عليه هو الإقرار الظاهر، فعلى هذا الإسلام والإيمان تارة يعتبران في الظاهر، وتارة في الحقيقة، والمنافق حصل له الإسلام الظاهر، ولم يحصل له الإسلام الباطن، لأن باطنه غير منقاد لدين الله، فكان تقدير الآية : لم تسلموا في القلب والباطن، ولكن قولوا : أسلمنا في الظاهر، والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ إِلا مِنا بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُم وَمَن يَكْفُرْ بِاَايَـاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ فيه مسائل :


الصفحة التالية
Icon