المسألة الثالثة : قوله تعالى :﴿إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ﴾ ليس المراد منه أن يسمع صوت الدعاء فذلك معلوم، بل المراد منه أن يجيب دعاءه ولا يخيب رجاءه، وهو كقول المصلين : سمع الله لمن حمده، يريدون قبل حمد من حمد من المؤمنين، وهذا متأكد بما قال تعالى حكاية عن زكريا عليه السلام في سورة مريم ﴿وَلَمْ أَكُنا بِدُعَآاـاِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ (مريم : ٤).
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٠٨
٢١٠
وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي : فناداه الملائكة، على التذكير والإمالة، والباقون على التأنيث على اللفظ، وقيل : من ذكر فلأن الفعل قبل الاسم، ومن أنث فلأن الفعل للملائكة، وقرأ ابن عامر ﴿الْمِحْرَابَ﴾ بالإمالة، والباقون بالتفخيم، وفي قراءة ابن مسعود : فناداه جبريل.
المسألة الثانية : ظاهر اللفظ يدل على أن النداء كان من الملائكة، ولا شك أن هذا في التشريف أعظم، فإن دل دليل منفصل أن المنادي كان جبريل عليه السلام فقط صرنا إليه. وحملنا هذ اللفظ على التأويل، فإنه يقال : فلان يأكل الأطعمة الطيبة، ويلبس الثياب النفيسة، أي يأكل من هذا الجنس، ويلبس من هذا الجنس، مع أن المعلوم أنه لم يأكل جميع الأطعمة، ولم يلبس جميع الأثواب، فكذا ههنا، ومثله في القرآن ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ﴾ (آل عمران : ١٧٣) وهم نعيم بن مسعود /إن الناس : يعني أبا سفيان، قال المفضل بن سلمة : إذا كان القائل رئيساً جاز الإخبار عنه بالجمع لاجتماع أصحابه معه، فلما كان جبريل رئيس الملائكة، وقلما يبعث إلا ومعه جمع صح ذلك.
أما قوله ﴿وَهُوَ قَآئِمٌ يُصَلِّى فِى الْمِحْرَابِ﴾ فهو يدل على أن الصلاة كانت مشروعة في دينهم، والمحراب قد ذكرنا معناه.
أما قوله ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى : أما البشارة فقد فسرناها في قوله تعالى :﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ﴾ (البقرة : ٢٥) وفي قوله ﴿يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى ﴾ وجهان الأول : أنه تعالى كان قد عرف زكريا أنه سيكون في الأنبياء رجل اسمه يحيى وله ذرية عالية، فإذا قيل : إن ذلك النبي المسمى بيحيى هو ولدك كان ذلك بشارة له بيحيى عليه السلام والثاني : أن الله يبشرك بولد اسمه يحيى.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٠
المسألة الثانية : قرأ ابن عامر وحمزة ﴿ءَانٍ﴾ بكسر الهمزة، والباقون بفتحها، أما الكسر فعلى إرادة القول، أو لأن النداء نوع من القول، وأما الفتح فتقديره : فنادته الملائكة بأن الله يبشرك.
المسألة الثالثة : قرأ حمزة والكسائي ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين، وقرأ الباقون ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ وقرىء أيضاً ﴿يُبَشِّرُكِ﴾ قال أبو زيد يقال : بشر يبشر بشراً، وبشر يبشر تبشيراً، وأبشر يبشر ثلاث لغات.
المسألة الرابعة : قرأ حمزة والكسائي ﴿يَحْيَى ﴾ بالإمالة لأجل الياء والباقون بالتفخيم، وأما أنه لم سمى يحيى فقد ذكرناه في سورة مريم، واعلم أنه تعالى ذكر من صفات يحيى ثلاثة أنواع :
الصفة الأولى : قوله ﴿مُصَدِّقَا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال الواحدي قوله ﴿مُصَدِّقَا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ نصب على الحال لأنه نكرة، ويحيى معرفة.
المسألة الثانية : في المراد ﴿بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ﴾ قولان الأول : وهو قول أبي عبيدة : أنها كتاب من الله، واستشهد بقولهم : أنشد فلان كلمة، والمراد به القصيدة الطويلة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢١٠


الصفحة التالية
Icon