والجواب : فيه قولان الأول : قال أبو عبيدة والليث : أصله بالعبرانية مشيحا، فعربته العرب وغيروا لفظه، وعيسى : أصله يشوع كما قالوا في موسى : أصله موشى، أو ميشا بالعبرانية، وعلى هذا القول لا يكون له اشتقاق.
والقول الثاني : أنه مشتق وعليه الأكثرون، ثم ذكروا فيه وجوهاً الأول : قال ابن عباس : إنما سمي عيسى عليه السلام مسيحاً، لأنه ما كان يمسح بيده ذا عاهة، إلا برىء من مرضه الثاني : قال أحمد بن يحيى : سمي مسيحاً لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها، ومنه مساحة أقسام الأرض، وعلى هذا المعنى يجوز أن يقال : لعيسى مسيح بالتشديد على المبالغة كما يقال للرجل فسيق وشريب الثالث : أنه كان مسيحاً، لأنه كان يمسح رأس اليتامى لله تعالى، فعلى هذه الأقوال : هو فعيل بمعنى : فاعل، كرحيم بمعنى : راحم الرابع : أنه مسح من الأوزار والآثام والخامس : سمي مسيحاً لأنه ما كان في قدمه خمص، فكان ممسوح القدمين والسادس : سمي مسيحاً لأنه كان ممسوحاً بدهن طاهر مبارك يمسح به الأنبياء، ولا يمسح به غيرهم، ثم قالوا : وهذا الدهن يجوز أن يكون الله تعالى جعله علامة حتى تعرف الملائكة أن كل من مسح به وقت الولادة فإنه يكون نبياً السابع : سمي مسيحاً لأنه مسحه جبريل صلى الله عليه وسلّم بجناحه وقت ولادته ليكون ذلك صوناً له عن مس الشيطان الثامن : سمي مسيحاً لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً بالدهن، وعلى هذه الأقوال يكون المسيح، بمعنى : الممسوح، فعيل بمعنى : مفعول. قال أبو عمرو بن العلاء المسيح : الملك. وقال النخعي : المسيح الصديق والله أعلم. ولعلّهما قالا ذلك من جهة كونه مدحاً /لا لدلالة اللغة عليه، وأما المسيح الدجال فإنما سمي مسيحاً لأحد وجهين أحدهما : لأنه ممسوح أحد العينين والثاني : أنه يمسح الأرض أي : يقطعها في المدة القليلة، قالوا : ولهذا قيل له : دجال لضربه في الأرض، وقطعه أكثر نواحيها، يقال : قد دجل الدجال إذا فعل ذلك، وقيل : سمي دجالاً من قوله : دجل الرجل إذا موه ولبس.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٠
السؤال الثاني : المسيح كان كاللقب له، وعيسى كالاسم فلم قدم اللقب على الاسم ؟
الجواب : أن المسيح كاللقب الذي يفيد كونه شريفاً رفيع الدرجة، مثل الصديق والفاروق فذكره الله تعالى أولاً بلقبه ليفيد علو درجته، ثم ذكره باسمه الخاص.
السؤال الثالث : لم قال عيسى بن مريم والخطاب مع مريم ؟
الجواب : لأن الأنبياء ينسبون إلى الآباء لا إلى الأمهات، فلما نسبه الله تعالى إلى الأم دون الأب، كان ذلك إعلاماً لها بأنه محدث بغير الأب، فكان ذلك سبباً لزيادة فضله وعلو درجته.
السؤال الرابع : الضمير في قوله : اسمه عائد إلى الكلمة وهي مؤنثة فلم ذكر الضمير ؟
الجواب : لأن المسمى بها مذكر.
السؤال الخامس : لم قال اسمه المسيح عيسى بن مريم ؟
والاسم ليس إلا عيسى، وأما المسيح فهو لقب، وأما ابن مريم فهو صفة.
الجواب : الاسم علامة المسمى ومعرف له، فكأنه قيل : الذي يعرف به هو مجموع هذه الثلاثة.
أما قوله تعالى :﴿وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى : معنى الوجيه : ذو الجاه والشرف والقدر، يقال : وجه الرجل، يوجه وجاهة هو وجيه، إذا صارت له منزلة رفيعة عند الناس والسلطان، وقال بعض أهل اللغة : الوجيه : هو الكريم، لأن أشرف أعضاء الإنسان وجهه فجعل الوجه استعارة عن الكرم والكمال.
واعلم أن الله تعالى وصف موسى صلى الله عليه وسلّم بأنه كان وجيهاً قال الله تعالى :﴿كَبِيرًا * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ (الأحزاب : ٦٩) ثم للمفسرين أقوال : الأول : قال الحسن : كان وجيهاً في الدنيا بسبب النبوة، وفي الآخرة بسبب علو المنزلة عند الله تعالى والثاني : أنه وجيه عند الله تعالى، وأما عيسى عليه السلام، فهو وجيه في الدنيا بسبب أنه يستجاب دعاؤه ويحيي الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص بسبب دعائه، ووجيه في الآخرة بسبب أنه يجعله شفيع أمته المحقين ويقبل شفاعتهم فيهم كما يقبل شفاعة أكابر الأنبياء عليهم السلام والثالث : أنه وجهه في الدنيا بسبب أنه كان مبرأ من العيوب التي وصفه اليهود بها، ووجيه في الآخرة بسبب كثرة ثوابه وعلو درجته عن الله تعالى.
فإن قيل : كيف كان وجيهاً في الدنيا واليهود عاملوه بما عاملوه، قلنا : قد ذكرنا أنه تعالى سمى موسى عليه السلام بالوجيه مع أن اليهود طعنوا فيه، وآذوه إلى أن برأه الله تعالى مما قالوا، وذلك لم يقدح في وجاهة موسى عليه السلام، فكذا ههنا.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٢٠
المسألة الثانية : قال الزجاج ﴿وَجِيهًا﴾ منصوب على الحال، المعنى : أن الله يبشرك بهذا الولد وجيهاً في الدنيا والآخرة، والفراء يسمي هذا قطعاً كأنه قال : عيسى بن مريم الوجيه فقطع منه التعريف.


الصفحة التالية
Icon