المسألة الثالثة :﴿فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ﴾ أي في عيسى عليه السلام، وقيل : الهاء تعود إلى الحق، في قوله ﴿الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ (هود : ١٧) ﴿مِّنا بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ﴾ (البقرة : ١٤٥) بأن عيسى عبد الله ورسوله عليه السلام وليس المراد ههنا بالعلم نفس العلم لأن العلم الذي في قلبه لا يؤثر في ذلك، بل المراد بالعلم ما ذكره بالدلائل العقلية، والدلائل الواصلة إليه بالوحي والتنزيل، فقل تعالوا : أصله تعاليوا، لأنه تفاعلوا من العلو، فاستثقلت الضمة على الياء، فسكنت، ثم حذفت لاجتماع الساكنين، وأصله العلو والارتفاع، / فمعنى تعالى ارتفع، إلا أنه كثر في الاستعمال حتى صار لكل مجيء، وصار بمنزلة هلم.
المسألة الرابعة : هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وعد أن يدعو أبناءه، فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكونا ابنيه، ومما يؤكد هذا قوله تعالى في سورة الأنعام ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِه دَاوُادَ وَسُلَيْمَـانَ﴾ (الأنعام : ٨٤) إلى قوله ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى ﴾ (الأنعام : ٨٥) ومعلوم أن عيسى عليه السلام إنما انتسب إلى إبراهيم عليه السلام بالأم لا بالأب، فثبت أن ابن البنت قد يسمى ابناً والله أعلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٥
المسألةالخامسة : كان في الري رجل يقال له : محمود بن الحسن الحمصي، وكان معلم الاثنى عشرية، وكان يزعم أن علياً رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد عليه السلام، قال : والذي يدل عليه قوله تعالى :﴿وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ﴾ وليس المراد بقوله ﴿وَأَنفُسَنَا﴾ نفس محمد صلى الله عليه وسلّم لأن الإنسان لا يدعو نفسه بل المراد به غيره، وأجمعوا على أن ذلك الغير كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فدلت الآية على أن نفس علي هي نفس محمد، ولا يمكن أن يكون المراد منه، أن هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أن هذه النفس مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوة، وفي حق الفضل لقيام الدلائل على أن محمداً عليه السلام كان نبياً وما كان علي كذلك، ولانعقاد الإجماع على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من علي رضي الله عنه/ فيبقى فيما وراءه معمولاً به، ثم الإجماع دل على أن محمداً عليه السلام كان أفضل من سائر الأنبياء عليهم السلام فيلزم أن يكون علي أفضل من سائر الأنبياء، فهذا وجه الاستدلال بظاهر هذه الآية، ثم قال : ويؤيد الاستدلال بهذه الآية، الحديث المقبول عند الموافق والمخالف، وهو قوله عليه السلام :"من أراد أن يرى آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلته، وموسى في هيبته، وعيسى في صفوته، فلينظر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه" فالحديث دل على أنه اجتمع فيه ما كان متفرقاً فيهم، وذلك يدل على أن علياً رضي الله عنه أفضل من جميع الأنبياء سوى محمد صلى الله عليه وسلّم، وأما سائر الشيعة فقد كانوا قديماً وحديثاً يستدلون بهذه الآية على أن علياً رضي الله عنه مثل نفس محمد عليه السلام إلا فيما خصه الدليل، وكان نفس محمد أفضل من الصحابة رضوان الله عليهم، فوجب أن يكون نفس علي أفضل أيضاً من سائر الصحابة، هذا تقدير كلام الشيعة، والجواب : أنه كما انعقد الإجماع بين المسلمين على أن محمداً عليه السلام أفضل من علي، فكذلك انعقد الإجماع بينهم قبل ظهور هذا الإنسان، على أن النبي أفضل ممن ليس بنبي، وأجمعوا على أن علياً رضي الله عنه ما كان نبياً، فلزم القطع بأن ظاهر الآية كما أنه مخصوص في حق محمد صلى الله عليه وسلّم، فكذلك مخصوص في حق سائر الأنبياء عليهم السلام.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٢٤٥


الصفحة التالية
Icon