المسألة الخامسة : قال بعضهم : اسم الرحم مشتق من الرحمة التي هي النعمة، واحتج بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"يقول الله تعالى أنا الرحمن وهي الرحم اشتققت اسمها من اسمي" ووجه التشبيه ان لمكان هذه الحالة تقع الرحمة من بعض الناس لبعض. وقال آخرون : بل اسم الرحم مشتق من الرحم الذي عنده يقع الانعام وانه الأصل/ وقال بعضهم : بل كل واحد منهما أصل بنفسه، والنزاع في مثل هذا قريب.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٥
المسألة السادسة : دلت الآية على جواز المسألة بالله تعالى. روى مجاهد عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"من سألكم بالله فأعطوه" وعن البراء بن عازب قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بسبع : منها ابرار القسم.
المسألة السابعة : دل قوله تعالى :﴿وَالارْحَامَ ﴾ على تعظيم حق الرحم وتأكيد النهي عن قطعها، قال/ تعالى :﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِى الارْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ (محمد : ٢٢) وقال :﴿لا يَرْقُبُونَ فِى مُؤْمِنٍ إِلا وَلا ذِمَّةً ﴾ قيل في الأول : إنه القرابة، وقال :﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَـانًا ﴾ (الإسراء : ٢٣)وقال :﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِه شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَـانًا وَبِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَـامَى وَالْمَسَـاكِينِ﴾ (النساء : ٣٦) وعن عبد الرحمن بن عوف : أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال :"يقول الله تعالى أنا الرحمن وهي الرحم اشتققت اسمها من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته" وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "ما من شيء أطيع الله فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم وما من عمل عصى الله به أعجل عقوبة من البغي واليمين الفاجرة" وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"ان الصدقة وصلة الرحم يزيد الله بهما في العمر ويدفع بهما ميتة السوء ويدفع الله بهما المحذور والمكروه" وقال عليه الصلاة والسلام :"أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح" قيل الكاشح العدو، فثبت بدلالة الكتاب والسنة وجوب صلة الرحم واستحقاق الثواب بها، ثم إن أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه بنوا على هذا الأصل مسألتين : إحداهما : أن الرجل اذا ملك ذا رحم محرم عتق عليه مثل الأخ والاخت، والعم والخال، قال لانه لو بقي الملك لحل الاستخدام بالاجماع، لكن الاستخدام إيحاش يورث قطيعة الرحم، وذلك حرام بناء على هذا الاصل، فوجب أن لا يبقى الملك، وثانيهما : أن الهبة لذي الرحم المحرم لا يجوز الرجوع فيها لان ذلك الرجوع ايحاش يورث قطيعة الرحم، فوجب أن لا يجوز، والكلام في هاتين المسألتين مذكور في الخلافيات.
ثم أنه تعالى ختم هذه الآية بما يكون كالوعد والوعيد والترغيب والترهيب فقال :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ والرقيب هو المراقب الذي يحفظ عليك جميع أفعالك. ومن هذا صفته فانه يجب أن يخاف ويرجى، فبين تعالى أنه يعلم السر وأخفى، وانه اذا كان كذلك يجب أن يكون المرء حذرا خائفا فيما يأتي ويترك.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٤٧٥
٤٨٢
اعلم أنه لما افتتح السورة بذكر ما يدل على أنه يجب على العبد أن يكون منقادا لتكاليف الله سبحانه، محترزا عن مساخطه، شرع بعد ذلك في شرح أقسام التكاليف.
فالنوع الأول : ما يتعلق بأموال اليتامى، وهو هذه الآية، وأيضا أنه تعالى وصى في الآية السابقة بالأرحام، فكذلك في هذه الآية وصى بالأيتام، لأنهم قد صاروا بحيث لا كافل لهم ولا مشفق شديد الاشفاق عليهم، ففارق حالهم حال من له رحم ماسة عاطفة عليه لمكان الولادة أو لمكان الرحم فقال :﴿وَءَاتُوا الْيَتَـامَى ا أَمْوَالَهُمْ ﴾ وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon