وأجاب أصحابنا عنه من وجهين : أحدهما : انه تعالى قال في آخر الآية ﴿نَصِيبًا مَّفْرُوضًا﴾ أي نصيبا مقدرا، وبالاجماع ليس لذوي الأرحام نصيب مقدر، فثبت أنهم ليسوا داخلين في هذه الآية، وثانيهما : أن هذه الآية مختصة بالأقربين، فلم قلتم إن ذوي الأرحام من الأقربين ؟
وتحقيقه أنه إما أن يكون المراد من الأقربين من كان أقرب من شيء آخر، أو المراد منه من كان أقرب من جميع الأشياء، والأول باطل ؛ لأنه يقتضي دخول أكثر الخلق فيه، لأن كل إنسان له نسب مع غيره إما بوجه قريب أو بوجه بعيد، وهو الانتساب إلى آدم عليه السلام، ولا بد وأن يكون هو أقرب إليه من ولده، فيلزم دخول كل الخلق في هذا النص وهو باطل، ولما بطل هذا الاحتمال وجب حمل النص على الاحتمال الثاني وهو أن يكون المراد من الأقربين من كان أقرب الناس إليه، وما ذاك إلا الوالدان والأولاد/ فثبت أن هذا النص لا يدخل فيه ذو الأرحام، لا يقال : لو حملنا الأقربين على الوالدين لزم التكرار، لأنا نقول : الأقرب جنس يندرج تحته نوعان : الوالد والولد، فثبت أنه تعالى ذكر الوالد، ثم ذكر الأقربين، فيكون المعنى أنه ذكر النوع، ثم ذكر الجنس فلم يلزم التكرار.
المسألة الرابعة : قوله :﴿نَصِيبًا﴾ في نصبه وجوه : أحدها : أنه نصب على الاختصاص بمعنى أعني نصيبا مفروضا مقطوعا واجبا، والثاني : يجوز أن ينتصب انتصاب المصدر، لأن النصيب اسم في معنى المصدر كأنه قيل : قسما واجبا، كقوله :﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّه ﴾ (التوبة : ٦٠، النساء : ١١) أي قسمة مفروضة.
المسألة الخامسة : أصل الفرض الحز، ولذلك سمي الحز الذي في سية القوس فرضاً، والحز الذي في القداح يسمى أيضا فرضاً، وهو علامة لها تميز بينها وبين غيرها، والفرضة العلامة في مقسم الماء، يعرف بها كل ذي حق حقه من الشرب، فهذا هو أصل الفرض في اللغة، ثم ان أصحاب أبي حنيفة خصصوا لفظ الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، واسم الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون، قالوا : لأن الفرض عبارة عن الحز والقطع، وأما الوجوب فانه عبارة عن السقوط، يقال : وجبت الشمس إذا سقطت، ووجب الحائط إذا سقط، وسمعت وجبة يعني سقطة قال الله تعالى :﴿فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا﴾ (الحج : ٣٦) يعني سقطت، فثبت أن الفرض عبارة عن الحز والقطع، وأن الوجوب عبارة عن السقوط، ولا شك أن تأثير الحز والقطع أقوى وأكمل من تأثير السقوط. / فلهذا السبب خصص أصحاب أبي حنيفة لفظة الفرض بما عرف وجوبه بدليل قاطع، ولفظ الوجوب بما عرف وجوبه بدليل مظنون.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٢
إذا عرفت هذا فنقول : هذا الذي قرروه يقضي عليهم بأن الآية ما تناولت ذوي الأرحام لأن توريث ذوي الأرحام ليس من باب ما عرف بدليل قاطع باجماع الأمة، فلم يكن توريثهم فرضاً، والآية إنما تناولت التوريث المفروض، فلزم القطع بأن هذه الآية ما تناولت ذوي الأرحام، والله أعلم.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٠٢
وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon