المسألة الأولى : اللاتي : جمع التي، وللعرب في جمع "التي" لغات : اللاتي واللات واللواتي واللوات. قال أبو بكر الانباري : العرب تقول في الجمع من غير الحيوان : التي، ومن الحيوان : اللاتي، كقوله :﴿أَمْوَالَكُمُ الَّتِى جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَـامًا﴾ وقال في هذه : اللاتي واللائي، والفرق هو أن الجمع من غير الحيوان سبيله سبيل الشيء الواحد، وأما جمع الحيوان فليس كذلك، بل كل واحدة منها غير متميزة عن غيرها بخواص وصفات، فهذا هو الفرق، ومن العرب من يسوي بين البابين، فيقول : ما فعلت الهندات التي من أمرها كذا، وما فعلت الأثواب التي من قصتهن كذا، والأول هو المختار.
المسألة الثانية : قوله :﴿يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ﴾ أي يفعلنها يقال : أتيت أمرا قبيحا، أي فعلته قال تعالى :﴿لَقَدْ جِئْتِ شَيْـاًا فَرِيًّا﴾ (مريم : ٢٧) وقال :﴿لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْـاًا إِدًّا﴾ (مريم : ٨٩) وفي التعبير عن الاقدام على الفواحش بهذه العبارة لطيفة، وهي أن الله تعالى لما نهى المكلف عن فعل هذه المعاصي، فهو تعالى لا يعين المكلف على فعلها، بل المكلف كأنه ذهب اليها من عند نفسه، واختارها بمجرد طبعه، فلهذه الفائدة يقال : إنه جاء إلى تلك الفاحشة وذهب اليها، إلا أن هذه الدقيقة لا تتم إلا على قول المعتزلة. وفي قراءة ابن مسعود : يأتين بالفاحشة، وأما الفاحشة فهي الفعلة القبيحة وهي مصدر عند أهل اللغة كالعاقبة يقال : فحش الرجل يفحش فحشا وفاحشة، وأفحش إذا جاء بالقبيح من القول أو الفعل. وأجمعوا على أن الفاحشة ههنا الزنا، وإنما أطلق على الزنا اسم الفاحشة لزيادتها في القبح على كثير من القبائح.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٥
فان قيل : الكفر أقبح منه، وقتل النفس أقبح منه، ولا يسمى ذلك فاحشة.
قلنا : السبب في ذلك أن القوى المدبرة لبدن الانسان ثلاثة : القوة الناطقة، والقوة الغضبية والقوة الشهوانية، ففساد القوة الناطقة هو الكفر والبدعة وما يشبههما، وفساد القوة الغضبية هو القتل والغضب وما يشبههما، وفساد القوة الشهوانية هو الزنا واللواط والسحق وما أشبهها، وأخس هذه القوى الثلاثة : القوة الشهوانية، فلا جرم كان فسادها أخس أنواع الفساد، فلهذا السبب خص هذا العمل بالفاحشة والله أعلم بمراده.
المسألة الثالثة : في المراد بقوله :﴿وَالَّـاتِى يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ قولان : الأول : المراد / منه الزنا، وذلك لأن المرأة إذا نسبت إلى الزنا فلا سبيل لأحد عليها إلا بأن يشهد أربعة رجال مسلمون على أنها ارتكبت الزنا/ فاذا شهدوا عليها أمسكت في بيت محبوسة إلى أن تموت أو يجعل الله لهن سبيلا، وهذا قول جمهور المفسرين.
والقول الثاني : وهو اختيار أبي مسلم الأصفهاني : أن المراد بقوله :﴿وَالَّـاتِى يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ﴾ السحاقات، وحدهن الحبس إلى الموت وبقوله :﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ﴾ (النساء : ١٦) أهل اللواط، وحدهما الأذى بالقول والفعل، والمراد بالآية المذكورة في سورة النور : الزنا بين الرجل والمرأة، وحده في البكر الجلد، وفي المحصن الرجم، واحتج ابو مسلم عليه بوجوه : الأول : أن قوله :﴿وَالَّـاتِى يَأْتِينَ الْفَـاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ مخصوص بالنسوان، وقوله :﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ﴾ مخصوص بالرجال، لأن قوله :﴿وَالَّذَانِ﴾ تثنية الذكور.
فان قيل : لم لا يجوز أن يكون المراد بقوله :﴿وَالَّذَانِ﴾ الذكر والأنثى إلا أنه غلب لفظ المذكر.
جزء : ٩ رقم الصفحة : ٥٢٥


الصفحة التالية
Icon