المسألة الرابعة : قيل سببه القريب تموج الهواء، ولا نعني بالتموج حركة انتقالية من مبدأ واحد بعينه إلى منتهى واحد بعينه، بل حالة شبيهة بتموج الهواء فإنه أمر يحدث شيئاً فشيئاً لصدم بعد صدم وسكون بعد سكون، وأما سبب التموج فإمساس عنيف، وهو القرع، أو تفريق عنيف، وهو القلع، ويرجع في تحقيق هذا إلى "كتبنا العقلية".
حد الحرف :
المسألة الخامسة : قال الشيخ الرئيس في حد الحرف : إنه هيئة عارضة للصوت يتميز بها عن صوت آخر مثله في الخفة والثقل تميزاً في المسموع.
حروف المد واللين :
المسألة السادسة : الحروف إما مصوتة، وهي التي تسمى في النحو حروف المد واللين، ولا يمكن الابتداء بها أو صامتة وهي ما عداها، أما المصوتة فلا شك أنها من الهيئات العارضة للصوت، وأما الصوامت فمنها ما لا يمكن تمديده كالباء والتاء والدال والطاء، وهي لا توجد/ إلا في "الآن" الذي هو آخر زمان حبس النفس وأول زمان إرساله، وهي بالنسبة إلى الصوت كالنقطة بالنسبة إلى الخط والآن بالنسبة إلى الزمان، وهذه الحروف ليست بأصوات ولا عوارض أصوات، وإنما هي أمور تحدث في مبدأ حدوث الأصوات، وتسميتها بالحروف حسنة لأن الحرف هو الطرف، وهذه الحروف أطراف الأصوات ومباديها، ومن الصوامت ما يمكن تمديدها بحسب الظاهر، ثم هذه على قسمين : منها ما الظن الغالب أنها آنية الوجود في نفس الأمر، وإن كانت زمانية بحسب الحس، مثل الحاء والخاء، فإن الظن أن هذه جاءت آنية متوالية كل واحد منها آتي الوجود في نفس الأمر، لكن الحس لا يشعر بامتياز بعضها عن بعض فيظنها حرفاً واحداً زمانياً، ومنها ما الظن الغالب كونها زمانية في الحقيقة كالسين والشين، فإنها هيئات عارضة للصوت مستمرة باستمرار.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة السابعة : الحرف لا بدّ وأن يكون إما ساكناً أو متحركاً، ولا نريد به حلول الحركة والسكون فيه، لأنهما من صفات الأجسام، بل المراد أنه يوجد عقيب الصامت بصوت مخصوص.
المسألة الثامنة : الحركات أبعاض المصوتات، والدليل عليه أن هذه المصوتات قابلة للزيادة والنقصان ولا طرف في جانب النقصان إلا هذه الحركات، ولأن هذه الحركات إذا مدت حدثت المصوتات وذلك يدل على قولنا.
المسألة التاسعة : الصامت سابق على المصوت المقصور الذي يسمى بالحركة، بدليل أن التكلم بهذه الحركات موقوف على التكلم بالصامت، فلو كانت هذه الحركات سابقة على هذه الصوامت لزم الدور، وهو محال.
الكلام حادث لا قديم :
المسألة العاشرة : الكلام الذي هو متركب من الحروف والأصوات فإنه يمتنع في بديهة العقل كونه قديماً لوجهين : الأول : أن الكلمة لا تكون كلمة إلا إذا كانت حروفها متوالية فالسابق المنقضي محدث، لأن ما ثبت عدمه امتنع قدمه، والآتي الحادث بعد انقضاء الأول لا شك أنه حادث، والثاني : أن الحروف التي منها تألفت الكلمة إن حصلت دفعة واحدة لم تحصل الكلمة/ لأن الكلمة الثلاثية يمكن وقوعها على التقاليب الستة فلو حصلت الحروف معاً لم يكن وقوعها على بعض تلك الوجوه أولى من وقوعها على سائرها، ولو حصلت على التعاقب كانت حادثة، واحتج القائلون بقدم الحروف بالعقل والنقل : أما العقل فهو أن لكل واحد من هذه الحروف ماهية مخصوصة باعتبارها تمتاز عما سواها، والماهيات لا تقبل / الزوال ولا العدم، فكانت قديمة، وأما النقل فهو أن كلام الله قديم، وكلام الله ليس إلا هذه الحروف، فوجب القول بقدم هذه الحروف، أما أن كلام الله قديم فلأن الكلام صفة كمال وعدمه صفة نقص، فلو لم يكن كلام الله قديماً لزم أن يقال إنه تعالى كان في الأزل ناقصاً ثم صار فيما لا يزال كاملاً، وذلك بإجماع المسلمين باطل، وإنما قلنا إن كلام الله تعالى ليس إلا هذه الحروف لوجوه : أحدها : قوله تعالى :﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَـامَ اللَّهِ﴾ ومعلوم أن المسموع ليس إلا هذه الحروف، فدل هذا على أن هذه الحروف كلام الله، وثانيها : أن من حلف على سماع كلام الله تعالى فإنه يتعلق البر والحنث بسماع هذه الحروف، وثالثها : أنه نقل بالتواتر إلينا أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يقول :"إن هذا القرآن المسموع المتلو هو كلام الله" فمنكره منكر لما عرف بالتواتر من دين محمد عليه الصلاة والسلام فيلزمه الكفر. والجواب عن الأول أن ما ذكرتم غير مختص بماهية دون ماهي، فيلزمكم قدم الكل، وعن الثاني أن ما ذكرتم من الاستدلال خفي في مقابلة البديهيات فيكون باطلاً.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
وصف كلام الله تعالى بالقدم :


الصفحة التالية
Icon