المسألة الثانية : المرض على ثلاثة أقسام : أحدها : أن يخاف الضرر والتلف، فههنا يجوز التيمم بالاتفاق. الثاني : أن لا يخاف الضرر ولا التلف، فههنا قال الشافعي : لا يجوز التيمم، وقال مالك وادود يجوز، وحجتهما أن قوله ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى ﴾ يتناول جميع أنواع المرض. الثالث : أن يخاف الزيادة في العلة وبطء المرض، فههنا يجوز له التيمم على أصح قولي الشافعي رحمه الله. وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله، والدليل عليه عموم قوله ﴿وَإِن كُنتُم مَّرْضَى ﴾ الرابع : أن يخاف بقاء شين على شيء من أعضائه، قال في "الجديد" : لا يتيمم. قال في "القديم" يتيمم وهو الأصح لأنه هو المطابق للآية.
المسألة الثالثة : إن كان المرض المانع من استعمال الماء حاصلاً في بعض جسده دون بعض، فقال الشافعي رحمه الله : إنه يغسل ما لا ضرر عليه ثم يتيمم، وقال أبو حنيفة رحمه الله : إن كان أكثر البدن صحيحاً غسل الصحيح دون التيمم، وإن كان أكثره جريحاً يكفيه التيمم. حجة الشافعي رحمه الله الأخذ بالاحتياط، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الله تعالى جعل المرض أحد أسباب جواز التيمم، والمرض إذا كان حالاً في بعض أعضائه فهو مريض فكان داخلاً تحت الآية.
المسألة الرابعة : لو ألصق على موضع التيمم لصوقاً يمنع وصول الماء إلى البشرة ولا يخاف من نزع ذلك اللصوق التلف، قال الشافعي رحمه الله : يلزمه نزع اللصوق عند التيمم حتى يصل التراب إليه، وقال الأكثرون : لا يجب. حجة الشافعي رعاية الاحتياط، وحجة الجمهور أن مدار الأمر في التيمم على التخفيف وإزالة الحرج على ما قال تعالى :﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ (الحج : ٨٧) فإيجاب نزع للصوق حرج، فوجب أن لا يجب.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة الخامسة : يجوز التيمم في السفر القصير، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا : لا يجوز. لنا أن قوله تعالى :﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ مطلق وليس فيه تفصيل أن السفر هل هو طويل أو قصير، ولقائل أن يقول : أنا إذا قلنا السفر الطويل والقصير سببان للرخصة لكون لفظ السفر مطلقاً وجب أن نقول : المرض الخفيف والشديد سببان للرخصة لكون لفظ المرض مطلقاً، ويدل أيضاً على أن السفر القصير يبيح التيمم ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه انصرف من قومه فبلغ موضعاً مشرفاً على المدينة فدخل وقت العصر فطلب الماء للوضوء فلم يجد فجعل يتيمم، فقال له مولاه : أتتيمم وها هي تنظر إليك جدران المدينة فقال : أو أعيش حتى أبلغها، وتيمم وصلّى، ودخل المدينة والشمس حية بيضاء وما أعاد الصلاة.
المسألة السادسة : المسافر إذا كان معه ماء ويخاف الاعطش جاز له أن يتيمم لقوله تعالى في آخر الآية ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ﴾ ولأن فرض الوضوء سقط عنه إذا أضر بماله، لدليل أنه إذا لم يجد الماء إلا بثمن كثير لم يجب عليه الوضوء، فإذا أضر بنفسه كان أولى.
المسألة السابعة : إذا كان معه ماء وكان حيوان آخر عطشاناً مشرفاً على الهلاك يجوز له التيمم لأن ذلك الماء واجب الصرف إلى ذلك الحيوان، لأن حق الحيوان مقدم على الصلاة، ألا ترى أنه يجوز له قطع الصلاة عند إشراف صبي أو أعمى على غرق أو حرق، فإذا كان كذلك كان ذلك الماء كالمعدوم، فدخل حينئذٍ تحت قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾.
المسألة الثامنة : إذ لم يكن معه ماء ولكن كان مع غيره ماء، ولا يمكنه أن يشتري إلا بالغبن الفاحش جاز التيمم له : لأن قوله ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ (الحج : ٧٨) رفع عنه تحمل الغبن الفاحش، وحينئذٍ يكون كالفاقد للماء فيدخل تحت قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ وكذا القول إذا كن واجداً لثمن المثل ولم يكن به إليه حاجة ضرورية فهنا يجب شراء الماء.
المسألة التاسعة : إذا وهب منه ذلك الماء هل يجوز له التيمم، قال أصحابنا : يجوز له التيمم ولا يجب عليه قبول ذلك الماء، لأن المنة في قبول الهبة شاقة، وأنا أتعجب منهم فإنهم لما جعلوا هذا القدر من الحرج سبباً لجواز التيمم فلم لم يجدوا خوف زيادة الألم في المرض سبباً لجواز التيمم.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة العاشرة : إذا أعير منه الدول والرشاء، فههنا الأكثرون قالوا : لا يجوز له التيمم، لأن المنة في هذه الإعارة قليلة، وكان هذا الإنسان واجداً للماء من غير حرج فلم يجز له التيمم لأن قوله تعالى :﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ دليل على أنه يشترط لجواز التيمم عدم وجدان الماء.
المسألة الحادية عشرة : قوله ﴿أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَآئِطِ﴾ كناية عن قضاء الحاجة. وأكثر العلماء ألحقوا به كل ما يخرج من السبيلين سواء كان معتاداً أو نادراً لدلالة الأحاديث عليه.
المسألة الثانية عشرة : قال الشافعي رحمه الله : الاستنجاء واجب إما بالماء وءما بالأحجار وقال أبو حنيفة رحمه الله : غير واجب.


الصفحة التالية
Icon