المسألة الخامسة عشرة : قال الشافعي رحمه الله : إذا لم يجد الماء في أول الوقت ويتوقع وجدانه في آخر الوقت جاز له التيمم في أول الوقت. وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى : بل يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت.
حجة الشافعي : قوله ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا﴾ إلى قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً﴾ وقوله ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا﴾ ليس المراد منه القيام إلى الصلاة، بل المراد دخول وقت الصلاة. وهذا يدل على أن عند دخول الوقت إذا لم يجد الماء جاز له التيمم.
المسألة السادسة عشرة : إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الشروع في الصلاة بطل تيممه. وقال أبو موسى الأشعري والشعبي : لا يبطل.
لنا قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ﴾ إلى قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ شرط عدم وجدان الماء بجواز الشروع في الصلاة بالتيمم، ومن وجد الماء بعد التيمم وقبل الشروع في الصلاة فقد فاته هذا الشرط فوجب أن لا يجوز له الشروع في الصلاة بذلك التيمم.
المسألة السابعة عشرة : لو فرغ من الصلاة ثم وجد الماء لا يلزمه إعادة الصلاة. قال طاوس : يلزمه.
لنا قوله تعالى :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ﴾ إلى قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ جوّز له الشروع في الصلاة بالتيمم عند عدم وجدان الماء، وقد حصل ذلك، فوجب أن يكون سبباً لخروجه عن عهدة التكليف، لأن الإتيان بالمأمور به سبب للأجزاء.
المسألة الثامنة عشرة : لو وجد الماء في أثناء الصلاة لا يلزمه الخروج منها، وبه قال مالك وأحمد خلافاً لأبي حنيفة والثوري، وهو اختيار المزني وابن شريح.
لنا أن عدم وجدان الماء يقتضي جواز الشروع في الصلاة بحكمم التيمم على ما دلّت الآية عليه، فقد انعقدت عليه صلاته صحيحة، فإذا وجد الماء في أثناء الصلاة فنقول : ما لم يبطل صلاته لا يصير قادراً على استعمال الماء، وما لم يصر قادراً على استعمال الماء لا تبطل صلاته، فيتوقف كل واحد منهما على الآخر، فيكون دوراً وهو باطل. والله أعلم.
المسألة التاسعة عشرة : لو نسي الماء في رحله وتيمم وصلّى ثم علم وجود الماء لزمه الإعادة على أحد قولي الشافعي رحمه الله/ وهو قول أحمد وأبي يوسف، والقول الثاني أنه لا يلزمه، وهو قول مالك وأبي حنيفة. حجة القول الثاني أنه عاجز عن الماء لأن عدم الماء كما أنه سبب للعجز عن استعمال الماء، فكذلك النسيان سبب للعجز، فثبت أنه عند النسيان عاجز فيه، فيدخل تحت قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا ﴾ وحجة القول الأول أنه غير معذور في ذلك النسيان.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٢٩٦
المسألة العشرون : إذا ضل رحله في الرحال ففيه الخلاف المذكور، والأولى أن لا تجب الإعادة.
المسألة الحادية والعشرون : إذا نسي كون الماء في رحله ولكنه استقصى في الطلب فلم يجده وتيمم وصلّى ثم وجده، فالأكثرون على أنه تجب الإعادة لأن العذر ضعيف. وقال قوم : لا تجب الإعادة، لأنه لما استقصى في الطلب صار عاجزاً عن استعمال الماء فدخل تحت قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾.
المسألة الثانية والعشرون : لو صلّى بالتيمم ثم وجد ماء في بئر بجنبه يمكن استعمال ذلك الماء، فإن كان قد علمه أولاً ثم نسيه فهو كما لو نسي الماء في رحله، وإن لم يكن عالماً بها قط، فإن كان عليها علامة ظاهرة لزمه الإعادة، وإن لم يكن عليها علامة فلا إعادة لأنه عاجز عن استعمال الماء، فدخل تحت قوله ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَآءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ فهذا جملة الكلام في المسائل الفقهية المستنبطة من هذه الآية، وهي مائة مسألة، وقد كتبناها في موضع ما كان معنا شيء من الكتب الفقهية المعتبرة، وكان القلب مشوشاً بسبب استيلاء الكفار على بلاد المسلمين. فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم، وأن يجعل كدنا في استنباط أحكام الله من نص الله سبباً لرجحان الحسنات على السيآت أنه أعز مأمول وأكرم مسؤول.
قوله تعالى :﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـاكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَه عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ وفي الآية مسائل :


الصفحة التالية
Icon