ثم ذكر الكلام الذي يكون وعداً مع المطيعين ووعيداً للمذنبين وهو قوله تعالى :﴿وَاتَّقُوا الله إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُا بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يعني أنه عالم بجميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء من أْوالكم.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢٠
٣٢٠
ثم ذكر وعد المؤمنين فقال تعاللى :﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِا لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فالمغفرة إسقاط السيئات كما قال ﴿فَ أولئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـاَاتِهِمْ حَسَنَـاتٍ ﴾ (الفرقان : ٧٠) والأجر العظيم إيصال الثواب، وقوله ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ فيه وجوه : الأول : أنه قال أولاً ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ ﴾ فكأنه قيل : وأي شيء وعدهم ؟
فقال ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ الثاني : التقدير كأنه قال : وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقال لهم مغفرة وأجرٌ عظيم، والثالث : أجرى قوله ﴿وَعَدَ﴾ مجرى قال، والتقدير : قال الله في الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم، والرابع : أن يكون ﴿وَعَدَ﴾ واقعاً على جملة ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ أي وعدهم بهذا المجموع.
فإن قيل : لم أخبر عن هذا الوعد مع أنه لو أخبر بالموعود به كان ذلك أقوى ؟
قلنا : بل الأخبار عن كون هذا الوعد وعد الله أقوى. وذلك لأنه أضاف هذا الوعد إلى الله تعالى فقال ﴿وَعَدَ اللَّهُ﴾ والإله هو الذي يكون قادراً على جميع المقدورات عالماً بجميع المعلومات غنياً عن كل الحاجات، وهذا يمتنع الخلف في وعده، لأن دخول الخلف إنما يكون إما للجهل حيث ينسى وعده، وإما للعجز حيث لا يقدر على الوفاء بوعده، وإما للبخل حيث يمنعه البخل عن الوفاء بالوعد، وإما للحاجة، فإذا كان الإله هو الذي يكون منزّهاً عن كل هذه الوجوه كان دخول الخلف في وعده محالاً، فكان الإخبار عن هذا الوعد أوكد وأقوى من نفس الأخبار عن الموعود به، وأيضاً فلأن هذا الوعد يصل إليه قبل الموت فيفيده السرور عن سكرات الموت فتسهل بسببه تلك الشدائد، وبعد الموت يسهل عليه بسببه البقاء في ظلمة القبر وفي عرصة القيامة عند مشاهدة تلك الأهوال.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢٠
٣٢١
ثم ذكر بعد ذلك وعيد الكفار فقال :﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِـاَايَـاتِنَآ أولئك أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ﴾.
هذه الآية نص قاطع في أن الخلود ليس إلا للكفار، لأن قوله ﴿ أولئك أَصْحَـابُ الْجَحِيمِ﴾ يفيد الحصر، والمصاحبة تقتضي الملازمة كما يقال : أصحاب الصحراء، أي الملازمون لها.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢١
٣٢١
وقوله تعالى :﴿الْجَحِيمِ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في سبب نزول هذه الآية وجهان : الأول : أن المشركين في أول الأمر كانوا غالبين، والمسلمين كانوا مقهورين مغلوبين، ولقد كان المشركون أبداً يريدون أيقاع البلاء والقتل والنهب بالمسلمين، والله تعالى كن يمنعهم عن مطلوبهم إلى أن قوي الإسلام وعظمت شوكة المسلمين فقال تعالى :﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ﴾ وهو المشركون ﴿أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ﴾ بالقتل والنهب والنفي فكف الله تعالى بلطفه ورحمته أيدي الكفار عنكم أيها المسلمون، ومثل هذا الأنعام العظيم يوجب عليكم أن تتقوا معاصيه ومخالفته.
ثم قال تعالى :﴿وَاتَّقُوا الله وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي كونوا مواظبين على طاعة الله تعالى، ولا تخافوا أحداً في إقامة طاعات الله تعالى.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٢١


الصفحة التالية
Icon