المسألة الأولى : أختلف النحويون في الرفع في قوله ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ على وجوه : الأول : وهو قول سيبويه والأخفش : أن قوله ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ مرفوعان بالابتداء، والخبر محذوف والتقدير : فيما يتلى عليكم السارق والسارقة، أي حكمهما كذا، وكذا القول في قوله دالزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما} (النور : ٢) وفي قوله (النور : ٢) وفي قوله ﴿وَالَّذَانِ يَأْتِيَـانِهَا مِنكُمْ فَـاَاذُوهُمَا ﴾ (النساء : ١٦) وقرأ عيسى بن عمر ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ بالنصب، ومثله ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى﴾ والاختيار عند سيبويه النصب في هذا. قال لأن قول القائل : زيداً فاضربه أحسن من قولك : زيد فاضربه، وأيضاً لا يجوز أن يكون خبر المبتدأ، لأن خبر المبتدأ لا يدخل عليه الفاء.
والقول الثاني : وهو اختيار الفراء : أن الرفع أولى من النصب، لأن الألف واللام في قوله ﴿مُّقِيمٌ * وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ يقومان مقام "الذي" فصار التقدير : الذي سرق قاقطعوا يده، وعلى هذا التقدير حسن إدخال حرف الفاء على الخبر لأنه صار جزاء، وأيضاً النصب إنما يحسن إذا أردت سارقاً بعينه أو سارقة بعينها، فأما إذا أردت توجيه هذا الجزاء على كل من أتى بهذا الفعل فالرفع أولى، وهذا القول اختاره الزجاج وهو المعتمد.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٥١
ومما يدل على أن المراد من الآية الشرط والجزاء وجوه : الأول : أن الله تعالى صرّح بذلك وهو قوله ﴿جَزَآءَا بِمَا كَسَبَا﴾ وهذا دليل على أن القطع شرع جزاء على فعل السرقة، فوجب أن يعم الجزاء لعموم الشرط، والثاني : أن السرقة جناية، والقطع عقوبة، وربط العقوبة بالجناية مناسب، وذكر الحكم عقيب الوصف المناسب يدل على أن الوصف علة لذلك الحكم، والثالث : أنا لو حملنا الآية على هذا الوجه كانت الآية مفيدة، ولو حملناها على سارق معين صارت مجملة غير مفيدة، فكان الأول أولى.
وأما القول الذي ذهب إليه سيبويه فليس بشيء، ويدل عليه وجوه : الأول : أنه طعن في القررن المنقول بالتواتر عن الرسول عليه الصلاة والسلام وعن جميع الأمة، وذلك باطل قطعاً، فإن قال لا أقول : إن القراءة بالرفع غير جائزة ولكني أقول : القراءة بالنصب أولى، فنقول : وهذا أيضاً رديء لأن ترجيح القراءة التي لم يقرأ بها عيسى بن عمر على قراءة الرسول وجميع الأمة في عهد الصحابة والتابعين أمر منكر وكلام مردود. والثاني : أن القراءة بالنصب لو كانت أولى لوجب أن يكون في القراء من قرأ (واللذين يأتيانها منكم) بالنصب، ولما لم يوجد في القراء أحد قرأ كذلك علمنا سقوط هذا القول.
الوجه الثالث : أنا إذا قلنا :﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ مبتدأ، وخبره هو الذي نضمره، وهو قولنا فيما يتلى عليكم، فحينئذٍ قد تمت هذه الجملة بمتداها وخبرها/ فبأي شيء تتعلق الفاء في قوله ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ فإن قال : الفاء تتعلق بالفعل الذي دلّ عليه قوله ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ يعني أنه إذا أتى بالسرقة فاقطعوا يديه فنقول : إذا احتجت في آخر الأمر إلى أن تقول : السارق والسارقة تقديره : من سرق، فاذكر هذا أولاً حتى لا تحتاج إلى الإضمار الذي ذكرته. والرابع : أنا إذا اخترنا القراءة بالنصب لم يدل ذلك على كون السرقة علة لوجوب القطع، وإذا اخترنا القراءة بالرفع أفادت الآية هذا المعنى، ثم هذا المعنى متأكد بقوله ﴿جَزَآءَا بِمَا كَسَبَا﴾ فثبت أن القراءة بالرفع أولى. الخامس : أن سيبويه قال : هم يقدمون الأهم فالأهم، والذي هم بشأنه أعنى، فالقراءة بالرفع تقتضي تقديم ذكر كونه سارقاً على ذكر وجوب القطع، وهذا يقتضي أن يكون أكبر العناية مصروفاً إلى شرح ما يتلعق بحال السارق من حيث إنه سارق، وأما القراءة بالنصب فإنها تقتضي أن تكون العناية ببيان القطع أتم من العناية بكونه سارقاً، ومعلوم أنه ليس كذلك، فءن المقصود في هذه الآية بيان تقبيح السرقة والمبالغة في الزجر عنها، فثبت أن القراءة بالرفع هي المتعينة قطعاً والله أعلم.
جزء : ١١ رقم الصفحة : ٣٥١