المسألة الأولى : قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ﴿يَقُولُ﴾ بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والشام، والباوقن بالواو، وكذلك هي في مصاحف أهل العراق. قال الواحدي رحمه الله : وحدف الواو ههن كإثباتها، وذلك لأن في الجملة المعطوفة ذكراً من المعطوف عليها، فإن الموصوف بقوله ﴿يُسَـارِعُونَ فِيهِمْ﴾ (المائدة : ٥٢) هم الذين قال فيهم المؤمنون ﴿أَهَـا ؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ﴾ فلما حصل في كل واحدة من الجملتين ذكر من الأخرى حصن العطف بالواو وبغير الواو، ونظيره قوله تعالى :﴿سَيَقُولُونَ ثَلَـاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ لما كان في كل واحدة من الجملتين ذكر ما تقدم أغنى ذلك عن ذكر الواو، ثم قال :﴿وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ﴾ (الكهف : ٢٢) فأدخل الواو، فدل ذلك على أن حذف الواو وذكرها جائز. وقال صاحب "الكشاف" حذف الواو على تقدير أنه جواب قائل يقول : فماذا يقول المؤمنون حينئذٍ ؟
فقيل : يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا. واختلفوا في قراءة هذه الآية من وجه آخر، فقرأ أبو عمروا ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ نصبا على معنى : وعسى أن يقول الذين آمنوا، وأما من رفع فإنه جعل الواو لعطف جملة على جملة، ويدل على قراءة الرفع قراءة من حذف الواو.
المسألة الثانية : الفائدة في أن المؤمنين يقولون هذا القول هو أنهم يتعجبون من حال المنافقين عندما أظهروا الميل إلى موالاة اليهود والنصارى، وقالوا : إنهم يقسمون بالله جهد أيمانهم معنا ومن أنصارنا، فالآن كيف صاروا موالين لأعدائنا محبين للاختلاط بهم والاعتضاد بهم ؟
المسألة الثالثة : قوله ﴿حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ﴾ يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى، والمعنى ذهب ما أظهروه من الإيمان، وبطل كل خير عملوه لأجل أنهم الآن أظهروا موالاة اليهود والنصارى، فأصبحوا خاسرين في الدنيا والآخرة، فإنه لما بطلت أعمالهم بقيت عليهم المشقة في الإتيان بتلك الأعمال، ولم يحصل لهم شيء من ثمراتها ومنافعها، بل استحقوا اللعن في الدنيا والعقاب في الآخرة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧٦
٣٧٧
فيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر ونافع ﴿يَرْتَدِدْ﴾ بدالين، والباقون بدال واحدة مشددة، والأول : لإظهار التضعيف، والثاني : للإدغام. قال الزجاج : إظهار الدالين هو الأصل لأن الثاني من المضاعف إذا سكن ظهر التضعيف، نحو قوله ﴿إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ﴾ (آل عمران : ١٤٠) ويجوز في اللغة : إن يمسكم.
المسألة الثانية : روى صاحب "الكشاف" أنه كان أهل الردة إحدى عشرة فرقة : ثلاث في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم :
بنو مدلج : ورئيسهم ذو الحمار، وهو الأسود العنسي، وكان كاهناً ادعى النبوّة في اليمن واستولى على بلادها، وأخرج عمال رسول الله، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى معاذبن جبل وسادات اليمن، فأهلكه الله على يد فيروز الديلمي بيته فقتله، وأخبر رسول الله بقتله ليلة قتل، فسر المسلمون، وقبض رسول الله من الغد وأتى خبره في آخر شهر ربيع الأول.
وبنو حنيفة قوم مسيلمة، ادعى النبوّة وكتب إلى رسول الله : من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله أما بعد فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك، فأجابه الرسول : من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب : أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، فحاربه أبو بكر بجنود المسلمين، وقتل على يدي وحشي قاتل حمزة، وكان يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام، أراد في جاهليتي وفي إسلامي.
وبنو أسد قوم طليحة بن خويلد : ادعى النبوّة، فبعث إليه رسول الله خالداً، فانهزم بعد القتال إلى الشام ثم أسلم وحسن إسلامه.
وسبع في عهد أبي بكر : فزارة قوم عيينة بن حصن، وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيري، وبنو سليم قوم الفجاءة بن عبد يا ليل، وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة، وبعض بني تميم قوم سجاح بنت المنذر التي ادعت النبوّة وزوجت نفسها من مسيلمة الكذاب، وكندة قوم الأشعث بن قيس، وبنو بكر بن وائل بالبحرين قوم الحطم بن زيد، وكفى الله أمرهم على يد أبي بكر. وفرقة واحدة في عهد عمر : غسان قوم جبلة بن الأيهم، وذلك أن جبلة أسلم على يد عمر، وكان يطوف ذات يوم جاراً رداءه، فوطىء رجل طرف ردائه فغضب فلطمه، فتظلم إلى عمر فقضى له بالقصاص عليه، إلا أن يعفو عنه، فقال : أن أشتريها بألف، فأبى الرجل، فلم يزل يزيد في الفداء إلى أن بلغ عشرة آلاف، فأبى الرجل إلا القصاص، فاستنظر عمر فأنظره عمر فهرب إلى الروم وارتد.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٧٧


الصفحة التالية
Icon