المسألة الأولى : في قوله ﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ قولان : الأول : أن المراد عامة المؤمنين، وذلك لأن عبادة بن الصامت لما تبرأ من اليهود وقال : أنا بريء إلى الله من حلف قريظة والنضير، وأتولى الله ورسوله نزلت هذه الآية يعلى وفق قوله. وروي أيضاً أن عبدالله بن سلام قال : يا رسول الله إن قومنا قد هجرونا وأقسموا أن لا يجالسونا، ولا نستطيع مجالسة أصحابك لبعد المنازل، فنزلت هذه الآية، فقال رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، فعلى هذا : الآية عامة في حق كل المؤمنين، فكل من كان مؤمناً فهو ولي كل المؤمنين، ونظيره قوله تعالى :﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾ (التوبة : ٧١) وعلى هذا فقوله ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَواةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ صفة لك المؤمنين، والمراد بذكر هذه الصفلات تمييز عن المنافقين لأنهم كانوا يدعون الإيمان، إلا أنهم ما كانوا مداومين على الصلوات والزكوات، قال تعالى في صفة صلاتهم ﴿وَلا يَأْتُونَ الصَّلَواةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى ﴾ (التوبة : ٥٤) وقال :﴿يُرَآءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا﴾ (النساء : ١٤٢) وقال في صفة زكاتهم ﴿أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ ﴾ (الأحزاب : ١٩) وأما قوله ﴿وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ ففيه على هذا القول وجوه : الأول : قال أبو مسلم : المراد من الركوع الخضوع، يعني "أنهم يصلون ويزكون وهم منقادون خاضعون لجميع أوامر الله ونواهيه والثاني : أن يكون المراد : من شأنهم إقامة الصلاة، وخص الركوع بالذكر تشريفاً له كما في قوله ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾ (البقرة : ٤٣) والثالث : قال بعضهم : إن أصحابه كانوا عند نزول هذه الآية مختلفون في هذه الصفات، منهم من قد أتم الصلاة، ومنهم من دفع المال إلى الفقير، ومنهم من كان بعد في الصلاة وكان راكعاً، فلما كانوا مختلفين في هذه الصفات لا جرم ذكر الله تعالى كل هذه الصفات.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٢
القول الثاني : أن المراد من هذه الآية شخص معين، وعلى هذا ففيه أقوال : روى عكرمة أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. والثاني : روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام. روي أن عبدالله بن سلام قال : لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع، فنحن نتولاه. وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلّم فما أعطاني أحد شيئاً، وعلي عليه السلام كان راكعاً، فأومأ إليهخ بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلّم، فقال :"الّلهم إن أخي موسى سألك" فقال :﴿رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِى﴾ إلى قوله ﴿وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِى﴾ (طه : ٢٥ ـ ٣٢) فأنزلت قرآناً ناطقاً ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَـانًا﴾ (القصص : ٣٥) الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري. قال أبو ذر : فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال : يا محمد إقرأ ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه ﴾ إلى أخرها، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة.
المسألة الثانية : قالت الشيعة : هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم هو علي بن ابي طالب، وتقريره، أن نقول : هذه الآية دالة على أن المراد بهذه الآية إمام، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن ابي طالب.


الصفحة التالية
Icon