المسألة الأولى : الحزب في اللغة أصحاب الرجل الذين يكونون معه على رأيه، وهم القوم الذين يجتمعون لأمر حزبهم، وللمفسرين عبارات. قال الحسن : جند الله، وقال أبو روق : أولياء الله وقال أبو العالية : شيعة الله، وقال بعضهم : أنصار الله. وقال الأخفش : حزب الله الذين يدينون بدينه ويطيعونه فينصرهم.
المسألة الثانية : قوله ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَـالِبُونَ﴾ جملة واقعة موقع خبر المبتدأ، والعائ، غير مذكور لكونه معلوماً، والتقدير فهو غالب لكونه من جند الله وأنصاره.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٧
٣٨٧
أعلم أنه تعالى نهى في الآية المتقدمة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياى وساق الكلام في تقريره، ثم ذكر ههنا النهي العام عن موالاة جميع الكفار وهو هذه الآية، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ أبو عمرون والكسائي ﴿الْكُفَّارِ﴾ بالجر عطفاً على قوله ﴿مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَـابَ﴾ ومن الكفار، والباقون بالنصب عطفاً على قوله ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا ﴾ بتقدير : ولا الكفار.
المسألة الثانية : قيل : كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث أظهر الإيمان ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
المسألة الثالثة : هذه الآية تقتضي امتياز أهل الكتاب عن الكفار لأن العطف يقتضي المغايرة، وقوه ﴿لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَـابِ﴾ (البينة : ١) صريح في كونهم كفاراً، وطريق التوفيق بينهما أن كفر المشركين أعظم وأغلظ، فنحن لهذا السبب نخصصهم باسم الكفر. والله أعلم.
المسألة الرابعة : معنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم إظهارهم ذلك باللسان مع الإصرار على الكفر في القلب، ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَـاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ﴾ (البقرة : ١٤) والمعنى أن القوم لما اتخذوا دينكم هزواً وسخرية فلا تتخذوهم أولياء وأنصاراً وأحباباً، فإن ذلك الأمر الخارج عن العقل والمروءة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٧
٣٨٨
لما حكى في الآية الأولى عنهم أنهم اتخذوا دين المسلمين هزواً ولعباً ذكر ههنا بعض ما يتخذونه من هذا الدين هزواً ولعباً فقال :﴿مُّؤْمِنِينَ * وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَواةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الضمير في قوله ﴿اتَّخَذُوهَا﴾ للصلاة أو المناداة.
قيل : كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المؤذن بالمدينة يقول : أشهد أن محمداً رسول الله يقول : احرق الكاذب، فدخلت خادمته بنار ذات ليلة فتطايرت منها شرارة البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله.
وقيل : كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ينادي للصلاة وقام المسلمون إليها، فقالت اليهود : قاموا لا قاموا، صلوا لا صلوا على طريق الاستهزاء، فنزلت الآية.
وقيل : كان المنافقون يتضاحكون عند القيام إلى الصلاة تنفيراً للناس عنها.
وقيل : قالوا يا محمد لقد أبدعت شيئاً لم يسمع فيما مضى، فإن كنت نبياً فقد خالفت فيما أحدثت جميع الأنبياء، فمن أين لك صياح كصياح العير، فأنزل الله هذه الآية.
المسألة الثانية : قالوا : دلت الآية على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده.
المسألة الثالثة : قوله ﴿هُزُوًا وَلَعِبًا ﴾ أمران، وذلك لأنهم عند إقامة الصلاة يقولون : هذه الأعمال التي أتينا بها استهزاءً بالمسلمين وسخرية منهم، فإنهم يظنون أنا على دينهم مع أنا لسنا كذلك. ولما اعتقدوا أنه ليس فيها فائدة ومنفعة في الدين والدنيا قالوا إنها لعب.
ثم قال تعالى :﴿ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ﴾ أي لو كان لهم عقل كامل لعلموا أن تعظيم الخالق المنعم وخدمته مقرونة بغاية التعظيم لا يكون هزواً ولعباً، بل هو أحسن أعمال العباد وأشرف أفعالهم، ولذلك قال بعض الحكماء : أشرف الحركات الصلاة، وأنفع السكنات الصيام.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٣٨٨
٣٨٨
أعلم أن وجه النظم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم اتخذوا دين الإسلام هزواً ولعباً قال لهم : ما الذين تنقمون من هذا الدين، وما الذي تجدون فه مما يوجب اتخاذه هزواً ولعباً وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ الحسن ﴿هَلْ تَنقِمُونَ﴾ بفتح القاف، والفصيح كسرها. يقال : نقمت الشيء ونقمته بكسر القاف وفتحها إذا أنكرته، وللمفسرين عبارات : هل تنقمون منا : هل تعيبون هل تنكرون، هل تكرهون. قال بعضهم : سمي العقاب نقمة لأنه يجب على ما ينكر من الفعل. وقال آخرون : الكراهة التي يتبعها سخط من الكاره تسمى نقمة، لأنها تتبعها النقمة التي هي العذاب فعلى القول الأول لفظ النقمة موضوع أولاً للمكروه، ثم سمي العذاب نقمة لكونه مكروهاً، وعلى القول الثاني لفظ النقمة موضوع للعذاب، ثم سمي المنكر والمكروه نقمة لأنه يتبعه العذاب.