الأولى : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي : المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلى الله عليه وسلّم آمنوا به، ولم يرد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للمسلمين. وقال آخرون : مذهب اليهود أنه جيب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان، فإن قدروا على القتل فذاك، وإلا فبغصب المال أو بالسرقة أو بنوع من المكر والكيد والحيلة، وأما النصارى فليس مذهبهم ذاك بل الإيذاء في دينهم حرام، فهذا هو وجه التفاوت :
المسألة الثانية : المقصود من بيان هذا التفاوت تخفيف أمر اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلّم، واللام في قوله وذكر الله تعالى أن النصارى ألين عريكة من اليهود وأقرب إلى المسلمين منهم.
وههنا مسألتان :
الأولى : قال ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والسدي : المراد به النجاشي وقومه الذين قدموا من الحبشة على الرسول صلى الله عليه وسلّم آمنوا به، ولم يرد جميع النصارى مع ظهور عداوتهم للمسلمين. وقال آخرون : مذهب اليهود أنه جيب عليهم إيصال الشر إلى من يخالفهم في الدين بأي طريق كان، فإن قدروا على القتل فذاك، وإلا فبغصب المال أو بالسرقة أو بنوع من المكر والكيد والحيلة، وأما النصارى فليس مذهبهم ذاك بل الإيذاء في دينهم حرام، فهذا هو وجه التفاوت :
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤١٣
المسألة الثانية : المقصود من بيان هذا التفاوت تخفيف أمر اليهود على الرسول صلى الله عليه وسلّم، واللام في قوله ﴿لَتَجِدَنَّ﴾ لام القسم، والتقدير : قسما إنك تجد اليهود والمشركين أشد الناس عدواة مع المؤمنين، وقد شرحت لك أن هذا التمرد والمعصية عادة قديمة لهم، ففرغ خاطرك عنهم ولا تبال بمكرهم وكيدهم.
ثم ذكر تعالى سبب هذا التفاوت فقال :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ وفي الآية مسألتان :
الأولى : علة هذا التفاوت أن اليهود مخصوصن بالحرص الشديد على الدنيا والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَواةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا ﴾ (البقرة : ٩٦) فقرنهم في الحرص بالمشركين المنكرين للمعاد، والحرص معدن الأخرلاق الذميمة لأن من كان حريصاً على الدنيا طرح دينه في طلب الدنيا وأقدم على كل محظور ومنكر بطلب الدنيا، فلا جرم تشتد عداوته مع كل من نال مالاً أو جاهاً، وأما النصارى فإنهم في أكثر الأمر معرضون عن الدنيا مقبلون على العبادة وترك طلب الرياسة والتكبر والترفع/ وكل من كان كذلك فإنه لا يحسد الناس ولا يؤذيهم ولا يخاصمهم بل يكون لين العريكة في طلب الحق سهل الانقياد له، فهذا هو الفرق بين هذين الفريقين في هذا الباب، وهو المراد بقوله تعالى :﴿ذَالِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
وههنا دقيقة نافعة في طلب الدين وهو أن كفر النصارى أغلظ من كفر اليهود لأن النصارى ينازعون في الإلهيات وفي النبوّات، واليهود لا ينازعون إلا في النبوات، ولا شك في أن الأول أغلظ، ثم إن النصارى مع غلظ كفرهم لما لم يشتد حرصهم على طلب الدنيا بل كان في قلبهم شيء من الميل إلى الآخرة شرّفهم الله بقوله ﴿وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَـارَى ﴾ وأما اليهود مع أن كفرهم أخف في جنب كفر النصارى طردهم وخصهم الله بمزيد اللعن وما ذاك إلا بسبب حرصهم على الدنيا، وذلك ينبهك على صحة قوله صلى الله عليه وسلّم :"حب الدنيا رأس كل خطيئة".
المسألة الثانية : القس والقسيس اسم لرئيس النصارى، والجمع القسيسون. وقال عروة بن الزبير : صنعت النصارى الإنجيل وأدخلت فيه م ليس منه وبقي واحد من علمائهم على الحق والدين، وكان سمه قسيساً، فمن كان على هديه ودينه فهو قسيس. قال قطرب : القس والقسيس العالم بلغة الروم، وهذا مما وقع الوفاق فيه بين اللغتين، وأما الرهبان فهو جمع راهب كركبان وراكب، وفرسان وفارس، وقال بعضهم : لرهبان واحد، وجمعه رهابين كقربان وقرابين، وأصله من الرهبة بمعنى المخافة.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤١٣
فإن قيل : كيف مدحهم الله تعالى بذلك مع قوله ﴿وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا﴾ (الحديد : ٢٧) وقوله عليه لصلاة والسلام :"لا رهبانية في الإسلام".
قلنا : إن ذلك صار ممدوحاً في مقابلة طريقة اليهود في القساوة والغلظة، ولا يلزم من هذا القدر كونه ممدوحاً على الإطلاق.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤١٣
٤١٤


الصفحة التالية
Icon