المسألة الأولى : اعلم أن معنى الآية فإن عثر بعدما حلف الوصيان على أنهما استحقا إثماً أي حنثاً في اليمين بكذب في قول أو خيانة في ممال قام في اليمين مقامهما رجلان من قرابة الميت فيحلفان بالله لقد ظهرنا على خيانة الذميين وكذبهما وتبديلهما وما اعتدينا في ذلك وما كذبنا. وروي أنه لما نزلت الآية الأولى صلّى رسولل الله صلى الله عليه وسلّم العصر ودعا بتميم وعدي فاستحلفهما عند المنبر بالله الذي لا إله إلا هو أنه لم يوجد منال خيانة في هذا المال ولما حلفا خلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبيلهما وكتما الإناء مدة ثم ظهروا واخلفوا فقيل : وجد بمكة.
وقيل : لما طالت المدة أظهرا الإناء فبلغ ذلك بني سهم فطالبوهما فقالا كنا قد اشتريناه منه فقالوا ألم نقل لكم هل باع صاحبنا شيئاً فقلتما لا ؟
فقالا لم يكن عندنا بينة فكرهنا أن نعثر فكتمنا فرفعوا القصة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأننزل الله تعالى :﴿فَإِنْ عُثِرَ﴾ الآية فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي رفاعة السهميان فحلفا بالله بعد العصر فدفع الرسول صلى الله عليه وسلّم الإناء إليهما وإلى أولياء الميت. وكان تميم الداري يقول بعدما أسلم : صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء فأتوب إلى الله تعالى، وعن ابن عباس أنه بقيت تلك الواقعة مخفية إلى أن أسلم تميم الداري فلما أسلم أخبر بذلك وقال : حلفت كاذباً وأنا وصاحبي بعنا الإناء بألف وقسمنا الثمن. ثم دفع خمسمائة درهم من نفسه ونزع من صاحبه خمسمائة أخرى ودفع الألف إلى موالي الميت.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
المسألة الثانية : قوله ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى ﴾ أي مقام الشاهدين اللذين هما من غير ملتهما وقوله ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الاوْلَيَـانِ﴾ المراد به موالي الميت، وقد أكثر الناس في أنه لم وصف موالي الميت بهذا الوصف، والأصح عندي فيه وجه واحد، وهو أنهم إنما وصفوا بذلك لأنه لما أخذ مالهم فقد استحق عليهم مالهم فإن من أخذ مال غيره فقد حاول أن يكون تعلقه بذلك المال مستعلياً على تعلق مالكه به فصح أن يوصف المالك بأنه قد استحق عليه ذلك المال.
المسألة الثالثة : أما قوله ففيه وجوه : الأول : أن يكون خبر المبتدأ محذوف والتقدير : هما الأليان وذلك لأنه لما قال ﴿فَإِنْ عُثِرَ عَلَى ا أَنَّهُمَا﴾ فكأنه قيل : ومن هما فقيل الأوليان : والثاني : أن يكون بدلاً من الضمير الذي في يقومان والتقدير فيقوم الأوليان، والثالث : أجاز الأخفش أن يكون قوله ﴿الاوْلَيَـانِ﴾ صفة لقوله ﴿فَـاَاخَرَانِ﴾ وذلك لأن النكرة إذا تقدم ذكرها ثم أعيد عليها الذكر صارت معرفة، كقوله تعالى ﴿كَمِشْكَـاوةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ (النور : ٣٥) فمصباح نكرة قم قال ﴿الْمِصْبَاحُ﴾ ثم قال في ﴿زُجَاجَةٍ ﴾ ثم قال ﴿الزُّجَاجَةُ﴾، وهذا مثل قولك رأيت رجلاً، ثم يقول إنسان من الرجل، فصار بالعود إلى ذكره معرفة. الرابع : يجوز أن يكون قوله ﴿الاوْلَيَـانِ﴾ بدلاً من قوله آخران، وإبدال المعرفة من النكرة كثير.
المسألة الرابعة : إنما وصفهما بأنهما أوليان لوجهين : الأول : معنى الأوليان الأقربان إلى الميت. الثاني : يجوز أن يكون المعنى الأوليان باليمين، والسبب فيه أن الوصيين قد ادعيا أن الميت باع الإناء الفضة فانتقل اليمين إلى موالي الميت، لأن الوصيين قد ادعيا أن مورثهما باع الإناء وهما أنكرا ذلك، فكان اليمين حقاً لهما، وهذا كما أن إنساناً أقر لآخر بدين ثم ادعى أنه قضاه حكم برد اليمين إلى الذي ادعى الدين أولاً لأنه صار مدعى عليه أنه قد استوفاه.
المسألة الخامسة : القراءة المشهورة للجمهور استحق بضم التاء وكسر الحاء، والأليان تثنية الأولى، وقد ذكرنا وجهه وقراءة حمزة وعاصم في رواية أبي بكر الأولين بالجمع، وهو نعت لجميع الورثة المذكورين في قوله ﴿مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ﴾ وتقديره من الأولين الذين استحق عليهم مالهم وإنما قيل لهم الأولين من حيث كانوا أولين في الذكر، ألا ترى أنه قد تقدم ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَـادَةُ بَيْنِكُمْ﴾ (المائدة : ١٠٦) وكذلك ﴿اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ﴾ (المائدة : ١٠٦) ذكرا في اللفظ قبل قوله ﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا شَهَـادَةُ﴾ وقرأ حفص وحده بفتح التاء والحاء الأوليان على التثنية، ووجهه أن الوصيين اللذين ظهرت خيانتهما هما أولى من غيرهما بسبب أن الميت عينهما للوصاية ولما خانا في مال الورثة صح أن يقال إن الورثة قد استحق عليهم الأوليان أي خان في مالهم الأوليان، وقرأ الحسن الأولان، ووجهه ظاهر مما تقدم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٥٤
ثم قال تعالى :﴿فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَـادَتُنَآ أَحَقُّ مِن شَهَـادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَآ إِنَّآ إِذًا لَّمِنَ الظَّـالِمِينَ﴾.


الصفحة التالية
Icon