والجواب : عن السؤال الثاني أن الإله هو الخالق والنصارى يعتقدون أن خالق المعجزات التي ظهرت على يد عيسى ومريم هو عيسى عليه السلام ومريم والله تعالى ما خلقها ألبتة وإذا كان كذلك فالنصارى قد قالوا إن خالق تلك المعجزات هو عيسى ومريم والله تعالى ليس خالقها، فصح أنهم أثبتوا في حق بعض الأشياء كون عيسى ومريم إلهين له مع أن الله تعالى ليس إلهاً له فصح بهذ التأويل هذه الحكاية والرواية.
ثم قال تعالى :﴿قَالَ سُبْحَـانَكَ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِى بِحَقٍّ ﴾ أما قوله ﴿سُبْحَـانَكَ﴾ فقد فسرناه في قوله ﴿سُبْحَـانَكَ لا عِلْمَ لَنَآ﴾ (البقرة : ٣٢).
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٦٥
وأعلم أن الله تعالى لما سأل عيسى أنك هل قلت كذا لم يقل عيسى بأني قلت أو ما قلت بل قال ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق، وهذا ليس بحق ينتج أنه ما يكون لي أن أقول هذا الكلام لأن هذا يجري مجرى دعوى الطهارة والنزاهة، والمقام مقام الخضوع والتواضع، ولم يقل بأني قلته بل فوض ذلك إلى عمله المحيط بالكل.
فقال :﴿إِن كُنتُ قُلْتُه فَقَدْ عَلِمْتَه ﴾ وهذا مبالغة في الأدب وفي إظهار الذل والمسكنة في حضرة الجلال وتفويض الأمور بالكلية إلى الحق سبحانه.
ثم قال تعالى :﴿تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : المفسرون ذكروا فيه عبارات تعلم ما أخفي ولا أعلم ما تخفي وقيل : تعلم ما عندي ولا أعلم ما عندك، وقيل : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك، وقيل : تعلم ما كان مني في الدنيا ولا أعلم ما كان منك في الآخرة، وقيل : تعلم ما أقول وأفعل، ولا أعلم ما تقول وتفعل.
المسألة الثانية : تمسكت المجسمة بهذه الآية وقالوا : النفس هو الشخص وذلك يقتضي كونه تعالى جسماً.
والجواب من وجهين : الأول : أن النفس عبارة عن الذات، يقال نفس الشيى وذاته بمعنى واحد/ والثاني : أن المراد تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ولكنه ذكر هذا الكلام على طريق المطابقة والمشاكلة وهو من فصيح الكلام.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّكَ أَنتَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ﴾ وهذا تأكيد للجملتين المتقدمتين أعني قوله ﴿إِن كُنتُ قُلْتُه فَقَدْ عَلِمْتَه ﴾ وقوله ﴿تَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِى وَلا أَعْلَمُ مَا فِى نَفْسِكَ ﴾
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٦٥
٤٦٦
ثم قال تعالى حكاية عن عيسى ﴿مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَآ أَمَرْتَنِى بِه أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّى وَرَبَّكُمْ ﴾ أن مفسرة والمفسر هو الهاء في به الراجع إلى القول المأمور به والمعنى ما قلت لهم إلا قولاً أمرتني به إلا أنه وضع القول موضع الأمر، نزولاً على موجب الأدب الحسن، لئلا يجعل نفسه وربه أمرين معاً، ودلّ على الأصل بذكر أن المفسرة.
ثم قال تعالى :﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ﴾ أي كنت أشهد على ما يفعلون ما دمت مقيماً فيهم.
﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِى﴾ والمراد منه، وفاة الرفع إلى السماء، من قوله ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ﴾ (آل عمران : ٥٥).
﴿كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ﴾ قال الزجاج : الحافظ عليهم المراقب لأحوالهم.
﴿وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ يعني أنت الشهيد لي حين كنت فيهم وأنت الشهيد عليهم بعد مفارقتي لهم، فالشهيد الشاهد ويجوز حمله على الرؤية، ويجوز حمله على العلم، ويجوز حمله على الكلام بمعنى الشهادة فالشهيد من أسماء الصفات الحقيقية على جميع التقديرات ثم قال تعالى :
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٦٦
٤٦٧
فيه مسائل :
المسألة الأولى : معنى الآية ظاهر، وفيه سؤال : وهو أنه كيف جاز لعيسى عليه السلام أن يقول ﴿وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ﴾ والله لا يغفر الشرك.


الصفحة التالية
Icon