إذا عرفت هذا فنقول : لو قال العبد أحمد الله كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر فيتوجه عليه ذلك السؤال. أنما لو قال : الحمد لله فليس فيه ادعاء أن العبد أتى بالحمد والثناء، بل ليس فيه إلا أنه سبحانه مستحق للحمد والثناء سواء قدر على الإتيان بذلك الحمد أو لم يقدر عليه فظهر التفاوت بين هذني اللفظين من هذا الوجه، وثالثها : أنه لو قال أحمد الله كان ذلك مشعراً بأنه ذكر حمد نفسه ولم يذكر حمد غيره. أما إذا قال : الحمد لله، فقد دخل فيه حمده وحمد غيره من أول خلق العالم إلى آخر استقرار المكلفين في درجات الجنان ودركات النيران، كما قال تعالى :﴿دَعْوَاـاهُمْ فِيهَا سُبْحَـاـنَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـامٌ ﴾ (يونس : ١٠) فكان هذا الكلام أفضل وأكمل.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٧١
المسألة الرابعة : اعلم أن هذه الكلمة مذكورة في أول سور خمسة. أولها : الفاتحة، فقال :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ (الفاتحة : ٢) وثانيها : في يأول هذه السورة، فقال :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ (الأنعام : ١) والأول أعم لأن العالم عبارة عن كل موجود سوى الله تعالى، فقوله}الحمد لله ربّ العالمين} يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى. أما قوله الحمد لله ربّ العالمين} يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى. أما قوله يدخل فيه كل موجود سوى الله تعالى. أما قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ لا يدخل فيه إلا خلق السموات والأرض والظلمات والنور، ولا يدخل فيه سائر الكائنات والمبدعات، فكان التحميد المذكور في أول هذه السورة كأنه قسم من الأقسام الداخلة تحت التحميد المذكور في سورة الفاتحة وتفصيل لتلك الجملة. وثالثها : سورة الكهف، فقال :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَـابَ﴾ (الكهف : ١) وذلك أيضاً تحميد مخصوص بنوع خاص من النعمة وهو نعمة العلم والمعرفة والهداية والقرآن، وبالجملة النعم الحاصلة بواسطة بعثة الرسل، ورابعها : سورة سبأ وهي قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَه مَا فِى السَّمَـاوَاتِ وَمَا فِى الارْضِ﴾ (سبأ : ١) وهو أيضاً قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ وخامسها : سورة فاطر، فقال :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (فاطر : ١) وظاهر أيضاً أنه قسم من الأقسام الداخلة تحت قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ فظهر أن الكلام الكلي التام هو التحميد المذكور في أول الفاتحة وهو قوله ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ وذلك لأن كل موجود فهو إما واجب الوجود لذاته، وإما ممكن الوجود لذاته. وواجب الوجود لذاته واحد وهو الله سبحانه وتعالى وما سواه ممكن وكل ممكن فلا يمكن دخوله في الوجود إلا بإيجاد الله تعالى وتكوينه والوجود نعمة فالإيجاد إنعام وتربية، فلهذا السبب قال :﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ وأنه تعالى المربي لكل ما سواه والمحسن إلى كل ما سواه. فذلك الكلام هو الكلام الكلي الوافي بالمقصود. أما التحميدات المذكورة في أوائل هذه السور فكان كل واحد منها قسم من أقسام ذلك التحميد ونوع من أنواعه.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٤٧١
فإن قيل : ما الفرق بين الخالق وبين الفاطر والرب ؟
وأيضاً لم قال ههنا ﴿خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ بصيغة فعل الماضي ؟
وقال في سورة فاطر ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ بصيغة اسم الفاعل.
فنقول في الجواب عن الأول : الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الحق سبحانه عبارة عن علمه النافذ في جميع الكليات والجزئيات الواصل إلى جميع ذوات الكائنات والممكنات وأما كونه فاطراً فهو عبارة عن الإيجاد والابداع، فكونه تعالى خالقاً إشارة إلى صفة العلم، وكونه فاطراً إشارة إلى صفة القدرة، وكونه تعالى رباً ومربياً مشتمل على الأمرين، فكان ذلك أكمل.
والجواب عن الثاني : أن الخلق عبارة عن التقدير وهو في حق الله تعالى عبارة عن علمه بالمعلومات، والعمل بالشيء سصح تقدمه على وجود المعلوم. ألا ترى أنه يمكننا أن نعلم الشيء قبل دهوله في الوجود. أما إيجاد الشيء، فإنه لا يحصل إلا حال وجود الأثر بناء على مذهبنا أن القدرة إنما تؤثر في وجود المقدور حال وجود المقدور. فلهذا السبب قال :﴿خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ﴾ والمراد أنه كان عالماً بها قبل وجودها، وقال :﴿فَاطِرِ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ والمراد أنه تعالى إنما يكون فاطراً لها وموجداً لها عند وجودها.