أما قوله ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ففيه قولان : الأول : أن قوله دالذين} صفة للذين الأولى، فيكون عاملهما واحداً ويكون المقصود وعيد المعاندين الذين يعرفون ويجحدون. والثاني : أن قوله الذين خسروا أنفسهم ابتداء. وقوله صفة للذين الأولى، فيكون عاملهما واحداً ويكون المقصود وعيد المعاندين الذين يعرفون ويجحدون. والثاني : أن قوله الذين خسروا أنفسهم ابتداء. وقوله ﴿فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ خبره، وفي قوله ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ وجهان : الأول : أنهم خسروا أنفسهم بمعنى الهلاك الدائم الذي حصل لهم بسبب الكفر والثاني : جاء في التفسير أنه ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله منزلة في الجنة، فمن كفر صارت منزلته إلى من أسلم فيكون قد خسر نفسه وأهله بأن ورث منزلة غيره.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٠٠
٥٠١
اعلم أنه تعالى لما حكم على أولئك المنكرين بالخسران في الآية الأولى بيّن في هذه الآية سبب ذلك الخسران، وهو أمران : أحدهما : أن يفترى على الله كذباً، وهذا الافتراء يحتمل وجوهاً : الأول : أن كفرا مكة كانوا يقولون هذه الأصنام شركاء الله، والله سبحانه وتعالى أمرهم بعبادتها والتقرب إليها، وكانوا أيضاً يقولون الملائكة بنات الله، ثم نسبوا إلى الله تحريم البحائر والسوائب. وثانيها : أن اليهود والنصارى كانوا يقولون : حصل في التوراة والإنجيل أن هاتين الشريعتين لا يتطرق إليهما النسخ والتغيير، وأنهما لا يجيء بعدهما نبي، وثالثها : ما ذكره الله تعالى في قوله ﴿وَإِذَا فَعَلُوا فَـاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَآ ءَابَآءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾ (الأعراف : ٢٨) ورابعها : أن اليهود كانوا يقولون ﴿نَحْنُ أَبْنَـا ؤُا اللَّهِ وَأَحِبَّـا ؤُه ﴾ (المائدة : ١٨) وكانوا يقولون ﴿لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً ﴾ (البقرة : ٨٠) وخامسها : أن بعض الجهال منهم كان يقول : إن الله فقير ونحن أغنياء، وأمثال هذه الأباطيل التي كانوا ينسبونها ألى الله كثيرة، وكلها افتراء منهم على الله.
والنوع الثاني : من أسباب خسرانهم تكذيبهم بآيات الله، والمراد منه قدحهم في معجزات محمد صلى الله عليه وسلّم، وطعنهم فيها وإنكارهم كون القرآن معجزة قاهرة بينة، ثم إنه تعالى لما حكى عنهم هذين الأمرين قال :﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّـالِمُونَ﴾ أي لا يظفرون بمطالبهم في الدنيا وفي الآخرة بل يبقون في الحرمان والخذلان.
وأما قوله ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ ففي ناصب قوله ﴿وَيَوْمَ﴾ أقوال : الأول : أنه محذوف وتقديره ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ كان كيت وكيت، فترك ليبقى على الابهام الذي هو أدخل في التخويف، والثاني : التقدير اذكر يوم نحشرهم، والثالث : أنه معطوف على محذوف كأنه قيل لا يفلح الظالمون أبداً ويوم نحشرهم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٠١
وأما قوله ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ فالمقصود منه التقريع والتبكيت لا السؤال، ويحتمل أن يكون معناه أين نفس الشركاء، ويحتمل أن يكون المراد أين شفاعتهم لكم وانتفاعكم بهم، وعلى كلا الوجهين : لا يكون الكلام إلا توبيخاً وتقريعاً في نفوسهم أن الذي كانوا يظنونه مأيوس عنه، وصار ذلك تنبيهاً لهم في دار الدنيا على فساد هذه الطريقة، والعائد على الموصول من قوله ﴿الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ محذوف، والتقدير : الذين كنتم تزعمون أنهم شفعاء، فحذف مفعول الزعم لدلالة السؤال عليه، قال ابن عباس : وكل زعم في كتاب الله كذب.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٠١
٥٠١
أعلم أن ههنا مسائل :
المسألة الأولى : قرأ ابن عامر وحفص عن عاسم ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ﴾ بالتاء المنقطة من فوق وفتنتهم بالرفع، وقرأ حمزة والكسائي ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن﴾ بالياء وفتنتهم بالنصب، وأما القراءة بالتاء المنقطة من فوق ونصب الفتنة، فههنا قوله أن قالوا : في محل الرفع لسكونه اسم تكن، وإنما أنث لتأنيث الخبر كقوله من كانت أمك أو لأن ما قالوا : فتنة في المعنى، ويجوز تأويل إلا أن قالوا لا مقالتهم وأما القراءة بالياء المنقطة من تحت، ونصب فتنتهم، فههنا قوله أن قالوا : في محل الرفع لكونه اسم يكن، وفتنتهم هو الخبر. قال الواحدي : الاختيار قراءة من جعل أن قالوا الاسم دون الخبر لأن أن إذا وصلت بالفعل لم توصف فأشبهت بامتناع وصفها المضمر، فكما أن المظهر والمضمر، إذا اجتمعا كان جعل المضمر اسماً أولى من جعله خبراً، فكذا ههنا تقول كنت القائم، فجعلت المضمر اسماً والمظهر خبراً فكذا ههنا، ونقول قراءة حمزة والكسائي : والله ربنا بنصب قوله ربنا لوجيهن : أحدهما : بإضمار أعني وأذكر، والثاني : على النداء، أي والله يا ربنا، والباقون بكسر الباء على أنه صفة لله تعالى.


الصفحة التالية
Icon