إذا عرفت هذا فنقول : قال الواحدي : هذه الآية من الأدلة الظاهرة على فساد قول المعتزلة، وذلك لأن الله تعالى أخبر عن قوم جرى عليهم قضاؤه في الأزل بالشرك، وذلك القضاء السابق فيهم، وإلا فالعاقل لا يرتاب فيما شاهد، ثم قال تعالى :﴿وَإِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ وفيه سؤال وهو أن يقال : إنه لم يتقدم ذكر خبر حتى يصرف هذا التكذيب إليه.
والجواب : أنا بينا أن منهم من قال الداخل في التمني هو مجرد قوله ﴿لَنَآ أَوْ نُرَدُّ﴾ أما الباقي فهو إخبار، ومنهم من قال بل الكل داخل في التمني، لأن إدخال التكذيب في التمني أيضاً جائز، لأن التمني يدل على الاخبار على سبيل الضمن والصيرورة، كقول القائل ليت زيداً جاءنا فكنا نأكل ونشرب ونتحدث فكذا ههنا. والله أعلم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥٠٧
٥١١
اعلم أنه حصل في الآية قولان : الأول : أنه تعالى ذكر في الآية الأولى، أنه بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فبين في هذه الآية أن ذلك الذي يخفونه هو أمر المعاد والحشر والنشر، وذلك لأنهم كانوا ينكرونه ويخفون صحته ويقولون ما لنا إلا هذه الحياة الدنيوية، وليس بعد هذه الحياة لا ثواب ولا عقاب. والثاني : أن تقدير الآية ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ولأنكروا الحشر والنشر، وقالوا :﴿إِنْ هِىَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١١
٥١١
فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم في الآية الأولى إنكارهم للحشر والنشر والبعث والقيامة بيّن في هذه الآية كيفية حالهم في القيامة، فقال ﴿وَلَوْ تَرَى ا إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ واعلم أن جماعة من المشبهة تمسكوا بهذه الآية، وقالوا ظاهر هذه الآية يدل على أن أهل القيامة يقفون عند الله وبالقرب منه، وذلك يدل على كونه تعالى بحث يحضر في مكان تارة ويغيب عنه تارة أخرى.
واعلم أن هذا خطأ وذلك لأن ظاهر الآية، يدل على كونهم وافقين على الله تعالى، كما يقف أحدنا على الأرض، وذلك يدل على كونه مستعلياً على ذات الله تعالى وأنه بالاتفاق باطل، فوجب المصير إلى التأويل وهو من وجوه :
التأويل الأول : هو أن يكون المراد ﴿وَلَوْ تَرَى ا إِذْ وُقِفُوا عَلَى﴾ ما وعدهم ربهم من عذاب الكافرين وثواب المؤمنين وعلى ما أخبرهم به من أمر الآخر.
التأويل الثاني : أن المراد من هذا الوقوف المعرفة، كما يقول الرجل لغيره وفقت على كلامك أي عرفته.
التأويل الثالث : أن يكون المراد أنهم وقفوا لأجل السؤال فخرج الكلام مخرج ما جرت به العادة، من وقوف العبد بين يدي سيده والمقصود منه التعبير عن المقصود بالألفاظ الفصيحة البليغة.
المسألة الثانية : المقصود من هذه الآية أنه تعالى حكى عنهم في الآية الأولى، أنهم ينكرون القيامة والبعث في الدينا، ثم بيّن أنهم في الآخرة يقرون به فيكون المعنى أن حالهم في هذا الإنكار سيؤل إلى الإقرار وذلك لأنهم شاهدوا القيامة والثواب والعقاب، قال الله تعالى :﴿أَلَيْسَ هَـاذَا بِالْحَقِّ ﴾.
فإن قيل : هذا الكلام يدل على أنه تعالى يقول لهم أليس هذا بالحق ؟
وهو كالمناقض لقوله تعالى :﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ (البقرة : ١٧٤) والجواب أن يحمل قوله ﴿وَلا يُكَلِّمُهُمُ﴾ أي لا يكلمهم بالكلام الطيب النافع، وعلى هذا التقدير يزول التناقض ثم إنه تعالى بيّن أنه إذا قال لهم أليس هذا بالحق ؟
قالوا بلى وربنا المقصود أنهم يعترفوتن بكونه حقاً مع القسم واليمين. ثم إنه تعالى يقول لهم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وخص لفظ الذوق لأنهم في كل حال يجدونه وجدان الذائق في قوة الاحساس وقوله ﴿بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ أي بسبب كفركم. واعلم أنه تعالى ما ذكر هذا الكلام احتجاجاً على صحة القول بالحشر والنشر لأن ذلك الدليل قد تقدم ذكره في أول السورة في قوله ﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى ا أَجَلا ﴾ (الأنعام : ٢) على ما قررناه وفسرناه، بل المقصود من هذه الآية الردع والزجر عن هذا المذهب والقول.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١١
٥١٢
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من هذه الآية شرح حالة أخرى من أحوال منكري البعث والقيامة وهي أمران : أحدهما : حصول الخسران. والثاني : حمل الأوزار العظيمة.


الصفحة التالية
Icon