المسألة الأولى : اعلم أنه تعالى أزال الحزن عن قلب رسوله في الآية الأولى بأن بين أن تكذيبه يجري مجرى تكذيب الله تعالى فذكر في هذه الآية طريقاً آخر في إزالة الحزن عن قلبه وذلك بأن بين أن سائر الأمم عاملوا أنبياءهم بمثل هذه المعاملة، وأن أولئك الأنبياء صبروا على تكذيبهم وإيذائهم حتى أتاهم النصر والفتح والظفر فأنت أولى بالتزام هذه الطريقة لأنك مبعوث إلى جميع العالمين، فاصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا. ثم أكد وقوى تعالى هذا الوعد بقوله ولا مبدل لكلمات الله يعني أن وعد الله إياك بالنصر حق وصدق، ولا يمكن تطرق الخلف والتبديل إليه ونظيره قوله تعالى) ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ﴾ (الصفات : ١٧١) وقوله ﴿كَتَبَ اللَّهُ لاغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِى ﴾ (المجادلة : ٢١) وبالجملة فالخلف في كلام الله تعالى محال وقوله ﴿وَلَقدْ جَآءَكَ مِن نَّبَإِىْ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي خبرهم في القرآن كيف أنجيناهم ودمرنا قومهم. قال الأخفش :﴿مِنْ﴾ ههنا صلة، كما تقول أصابنا من مطر. وقال غيره : لا يجوز ذلك لأنها لا تزاد في الواجب، وإنما تزاد مع النفي كما تقول : ما أتاني من أحد، وهي ههنا للتبعيض، فإن الواصل إلى الرسول عليه السلام قصص بعض الأنبياء لا قصص كلهم كما قال تعالى :﴿مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ﴾ (غافر : ٧٨) وفاعل :(جاء) مضمر أضمر لدلالة المذكور عليه، وتقديره : ولقد جاءك نبأ من نبأ المرسلين.
المسألة الثاني : قوله تعالى : دولا مبدل لكلمات الله} يدل على قولنا في خلق الأفعال لأن كل ما أخبر الله عن وقوعه، فذلك الخبر ممتنع التغير، وإذا امتنع تطرق التغير إلى ذلك الخبر امتنع تطرق التغير إلى المخبر عنه. فإذا أخبر الله عن بعضهم بأنه يموت على الكفر كان ترك الكفر منه محالاً. فكان تكليفه بالإيمان تكليفاً بما لا يطاق. والله أعلم.
٥٢٠
يدل على قولنا في خلق الأفعال لأن كل ما أخبر الله عن وقوعه، فذلك الخبر ممتنع التغير، وإذا امتنع تطرق التغير إلى ذلك الخبر امتنع تطرق التغير إلى المخبر عنه. فإذا أخبر الله عن بعضهم بأنه يموت على الكفر كان ترك الكفر منه محالاً. فكان تكليفه بالإيمان تكليفاً بما لا يطاق. ولله أعلم.
جزء : ١٢ رقم الصفحة : ٥١٩
٥٢١
في الآية مسائل :
المسألة الأولى : المروي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن الحرث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف أتى النبي صلى الله عليه وسلّم في نفر من قريش، فقالوا : يا محمد ائتنا من عند الله كما كانت الأنبياء تفعل فانا نصدق بك فأبى الله أن يأتيهم بها فأعرضوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فشق ذلك عليه، فنزلت هذه الآية، والمعنى : وإن كان كبر عليك إعراضهم عن الإيمان بك، وصحة القرآن، فإن استطعت أن تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء فافعل.
فالجواب محذوف وحسن هذا الحذف لأنه معلوم في النفوس. والنفق سرب في الأرض له مخلص إلى مكان رخر، ومنه نافقاء اليربوع لأن اليربوع يثقب الأرض إلى العقر، ثم يصعد من ذلك العقر إلى وجه الأرض من جانب آخر، فكأنه ينفق الأرض نفقاً، أي يجعل له منفذاً من جانب آخر. ومنه أيضاً سمي المنافق منافقاً لأنه يضمر غير ما يظهر كالنافقاء الذي يتخذه اليربوع وأما السلم فهو مشتق من السلامة، وهو الشيء الذي يسلمك إلى مصعدك، والمقصود من هذا الكلام أن يقطع الرسول طعمه عن إيمانهم، وأن لا يتأذى بسبب إعراضهم عن الإيمان وإقبالهم على الكفر.


الصفحة التالية
Icon