المسألة الأولى : احتج أصحابنا بقوله :﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّه ﴾ على أنه لا يقدر العبد على أمر من الأمور إلا إذا قضى الله به، فيمتنع منه فعل الكفر إلا إذا قضى الله به وحكم به. وكذلك في جميع الأفعال. والدليل عليه أنه تعالى قال :﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّه ﴾ وهذا يفيد الحصر، بمعنى أنه لا حكم إلا لله. واحتج المعتزلة بقوله :﴿يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ ومعناه أن كل ما قضى به فهو الحق. وهذا يقتضي أن لا يريد الكفر من الكافر. ولا المعصية من العاصي لأن ذلك ليس الحق. والله أعلم.
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩
المسألة الثانية : قرأ ابن كثير ونافع وعاصم ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ بالصاد من القصص، يعني أن كل ما أنبأ الله به وأمر به فهو من أقاصيص الحق، كقوله :﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ (يوسف : ٣) وقرأ الباقون ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ والمكتوب في المصاحف "يقض" بغير ياء لأنها سقطت في اللفظ لالتقاء الساكنين كما كتبوا ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ (العلق : ١٨) فما تغن النذر} وقوله : وقوله :﴿يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ قال الزجاج : فيه وجهان : جائز أن يكون ﴿الْحَقِّ ﴾ صفة المصدر والتقدير : يقض القضاء الحق. ويجوز أن يكون ﴿يَقُصُّ الْحَقَّ ﴾ يصنع الحق، لأن كل شيء صنعه الله فهو حق. وعلى هذا التقدير ﴿الْحَقِّ ﴾ يكون مفعولاً به وقضى / بمعنى صنع. قال الهذلي :
وعليهما مسرودتان قضاهما
داود أو صنع السوابغ تبع
أي صنعهما داود واحتج أبو عمرو على هذه القراءة بقوله :﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَـاصِلِينَ﴾ قال والفصل يكون في القضاء، لا في القصص.
أجاب أبو علي الفارسي فقال القصص ههنا بمعنى القول. وقد جاء الفصل في القول قال تعالى :﴿إِنَّه لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ وقال :﴿الارا كِتَـابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَـاتُه ﴾ (هود : ١) وقال :﴿نُفَصِّلُ الايَـاتِ﴾ (الأعراف : ٣٢).
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ٩
١٢
قوله تعالى :﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِى مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِه لَقُضِىَ الامْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُم وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّـالِمِينَ﴾.
اعلم أن المعنى ﴿لَّوْ أَنَّ عِندِى﴾ أي في قدرتي وإمكاني ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِه ﴾ من العذاب ﴿لَقُضِىَ الامْرُ بَيْنِى وَبَيْنَكُمْ ﴾ لأهلكتكم عاجلاً غضباً لربي، واقتصاصاً من تكذيبكم به. ولتخلصت سريعاً ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّـالِمِينَ﴾ وبما يجب في الحكمة من وقت عقابهم ومقداره، والمعنى : إني لا أعلم وقت عقوبة الظالمين. والله تعالى يعلم ذلك فهو يؤخره إلى وقته، والله أعلم.
قوله تعالى :﴿وَعِندَه مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَا وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِا وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا﴾.
اعلم أنه تعالى قال في الآية الأولى ﴿وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّـالِمِينَ﴾ يعني أنه سبحانه هو العالم بكل شيء فهو يعجل ما تعجيله أصلح ويؤخر ما تأخيره أصلح. وفي الآية مسائل :
جزء : ١٣ رقم الصفحة : ١٢


الصفحة التالية
Icon