المسألة الثانية : اتفق النحويون على أن الفعل والحرف لا يصح الأخبار عنهما، قالوا : لأنه لا يجوز أن يقال : ضرب قتل، ولقائل أن يقول المثال الواحد لا يكفي في إثبات الحكم العام، وأيضاً فإنه لا يصح أن يقال : جدار سماء، ولم يدل ذلك على أن الاسم لا يصح الأخبار عنه وبه، لأجل أن المثال الواحد لا يكفي في إثبات الحكم العام، فكذا ههنا، ثم قيل، الذي يدل على صحة الأخبار عن الفعل والحرف وجوه : الأول : أنا إذا أخبرنا عن "ضرب يضرب أضرب" بأنها أفعال فالمخبر عنه في هذا الخبر إما أن يكون اسماً أو فعلاً أو حرفاً، فإن كان الأول كان هذا الخبر كذباً، وليس كذلك، وإن كان الثاني كان الفعل من حيث أنه فعل مخبراً عنه، فإن قالوا : المخبر عنه بهذا الخبر هو هذه الصيغ، وهي أسماء قلنا : هذا السؤال ركيك، لأنه على هذا التقدير يكون المخبر عنه بأنه فعل اسماً، فرجع حاصل هذا السؤال إلى القسم الأول من القسمين المذكورين في أول هذا الإشكال، وقد أبطلناه، الثاني : إذا أخبرنا عن الفعل والحرف بأنه ليس باسم فالتقدير عين ما تقدم، الثالث : أن قولنا :"الفعل لا يخبر عنه" إخبار عنه بأنه لا يخبر عنه، وذلك متناقض، فإن قالوا : المخبر عنه بأنه لا يخبر عنه هو هذا اللفظ، فنقول : قد أجبنا على هذا السؤال، فإنا نقول : المخبر عنه بأنه لا يخبر عنه إن كان اسماً فهو باطل لأن كل اسم مخبر عنه، وأقل درجاته أن يخبر عنه بأنه اسم، وإن كان فعلاً فقد صار الفعل مخبراً عنه. الرابع : الفعل من حيث هو فعل والحرف من حيث هو حرف ماهية معلومة متميزة عما عداها، وكل ما كان كذلك صح الأخبار عنه بكونه ممتازاً عن غيره، فإذا أخبرنا عن الفعل من حيث هو فعل بأنه ماهية ممتازة عن الاسم فقد أخبرنا عنه بهذا الامتياز، الخامس : الفعل إما أن يكون عبارة عن الصيغة الدالة على المعنى المخصوص، وإما أن يكون عبارة عن ذلك المعنى المخصوص الذي هو مدلول لهذه الصيغة، فإن كان الأول فقد أخبرنا عنه بكونه دليلاً على المعنى، وإن كان الثاني فقد أخبرنا عنه بكونه مدلولاً لتلك الصيغة، فهذه سؤالات صبعة في هذا المقام.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة الثالثة : طعن قوم في قولهم :"الاسم ما يصح الأخبار عنه" بأن قالوا : لفظة "أين وكيف وإذا" أسماء مع أنه لا يصح الأخبار عنها، وأجاب عبد القاهر النحوي عنه بأنا إذا قلنا :"الاسم ما جاز الأخبار عنه" أردنا به ما جاز الأخبار عن معناه، ويصح الأخبار عن معنى / إذا لأنك إذا قلت : آتيك إذا طلعت الشمس، كان المعنى آتيك وقت طلوع الشمس، والوقت يصح الأخبار عنه، بدليل أنك تقول : طاب الوقت، وأقول هذا العذر ضعيف، لأن "إذا" ليس معناه الوقت فقط، بل معناه الوقت حال ما تجعله ظرفاً لشيء آخر، والوقت حال ما جعل ظرفاً لحادث آخر فإنه لا يمكن الأخبار عنه ألبتة، فإن قالوا لما كان أحد أجزاء ماهيته إسماً وجب كونه اسماً، فنقول : هذا باطل، لأنه إن كفى هذا القدر في كونه اسماً وجب أن يكون الفعل اسماً، لأن الفعل أحد أجزاء ماهيته المصدر، وهو اسم، ولما كان هذا باطلاً فكذا ما قالوه.
المسألة الرابعة : في تقرير النوع الثاني من تقسيم الكلمة أن تقول : الكلمة إما أن يكون معناها مستقلاً بالمعلومية أو لا يكون، والثاني : هو الحرف، أما الأول : فإما أن يدل ذلك اللفظ على الزمان المعين لمعناه، وهو الفعل، أو لا يدل وهو الاسم، وفي هذا القسم سؤالات نذكرها في حد الاسم والفعل.
تعريف الاسم :
المسألة الخامسة في تعريف الاسم : الناس ذكروا فيه وجوهاً، التعريف الأول : أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عن معناه، واعلم أن صحة الأخبار عن ماهية الشيء حكم يحصل له بعد تمام ماهيته فيكون هذا التعريف من باب الرسوم لا من باب الحدود، والأشكال عليه من وجهين : الأول : أن الفعل والحرف يصح الأخبار عنهما، والثاني : أن "إذا وكيف وأين" لا يصح الأخبار عنها وقد سبق تقرير هذين السؤالين.
التعريف الثاني : أن الاسم هو الذي يصح أن يأتي فاعلاً أو مفعولاً أو مضافاً، واعلم أن حاصله يرجع إلى أن الاسم هو الذي يصح الأخبار عنه.
والتعريف الثالث : أن الاسم كلمة تستحق الإعراب في أول الوضع، وهذا أيضاً رسم، لأن صحة الإعراب حالة طارئة على الاسم بعد تمام الماهية، وقولنا في أول الوضع احتراز عن شيئين : أحدهما : المبنيات، فإنها لا تقبل الإعراب بسبب مناسبة بينها وبين الحروف، ولولا هذه المناسبة لقبلت الإعراب، والثاني : أن المضارع معرب لكن لا لذاته بل بسبب كونه مشابهاً للاسم، وهذا التعريف أيضاً ضعيف.


الصفحة التالية
Icon