جوابه : أنه كان الكافر على عزم أنه لو عاش أبداً لبقي على ذلك الاعتقاد أبداً، فلما كان ذلك العزم مؤبداً عوقب بعقاب الأبد خلاف المسلم المذنب، فإنه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب، فلا جرم كانت عقوبته منقطعة.
السؤال الثاني : إعتاق الرقبة الواحدة تارة جعل بدلاً عن صيام ستين يوماً، وهو في كفارة الظهار، وتارة جعل بدلاً عن صيام أيام قلائل، وذلك يدل على أن المساواة غير معتبرة.
جوابه : إن المساواة إنما تحصل بوضع الشرع وحكمه.
السؤال الثالث : إذا أحدث في رأس إنسان موضحتين : وجب فيه إرشان، فإن رفع الحاجز بينهما صار الواجب أرش موضحة واحدة، فههنا ازدادت الجناية. وقل العقاب، فالمساواة غير معتبرة.
وجوابه : إن ذلك من تعبدات الشرع وتحكماته.
السؤال الرابع : أنه يجب في مقابلة تفويت أكثر كل واحد من الأعضاء دية كاملة، ثم إذا قتله وفوت كل الأعضاء، وجبت دية واحدة، وذلك يمتنع القول من رعاية المماثلة.
جوابه : أنه من باب تحكمات الشريعة. والله أعلم.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٩٠
١٩١
اعلم أنه تعالى لما علم رسوله أنواع دلائل التوحيد، والرد على القائلين بالشركاء والأنداد والأضداد وبالغ في تقرير إثبات التوحيد، والرد على القائلين بالشركاء والأنداد والأضداد، وبالغ في تقرير إثبات التوحيد والنافين للقضاء والقدر، ورد على أهل الجاهلية في أباطيلهم، أمره أن يختم الكلام بقوله :﴿إِنَّنِى هَدَاـانِى رَبِّى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وذلك يدل على أن الهداية لا تحصل إلا بالله وانتصب ديناً لوجهين : أحدهما : على البدل من محل صراط لأن معناه هداني ربي صراطاً مستقيماً كما قال :﴿وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا﴾ (الفتح : ٢) والثاني : أن يكون التقدير الزموا ديناً، وقوله : فيما قال صاحب "الكشاف" القيم فيعل من قام كسيد من ساد وهو أبلغ من القائم، وقرأ أهل الكوفة قيماً مكسورة القاف خفيفة الياء قال الزجاج : هو مصدر بمعنى القيام كالصغر والكبر والحول والشبع، والتأويل ديناً ذا قيم ووصف الدين بهذا الوصف على سبيل المبالغة، وقوله :﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ﴾ فقوله :﴿مِلَّةَ﴾ بدل من قوله :﴿دِينًا قِيَمًا﴾ وحينفاً منصوب على الحال من إبراهيم، والمعنى هداني ربي وعرفني ملة إبراهيم حال كونها موصوفة بالحنيفية، ثم قال في صفة إبراهيم :﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمقصود منه الرد على المشركين.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٩١
١٩١
اعلم أنه تعالى كما عرفه الدين المستقيم عرفه كيف يقوم به ويؤديه فقوله :﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ يدل على أنه يؤديه مع الأخلاص وأكده بقوله :﴿لا شَرِيكَ لَه ﴾ وهذا يدل على أنه لا يكفي في العبادات أن يؤتى بها كيف كانت بل يجب أن يؤتى بها مع تمام الإخلاص وهذا من أقوى الدلائل على أن شرط صحة الصلاة أن يؤتى بها مقرونة بالأخلاص.
أما قوله :﴿وَنُسُكِى﴾ فقيل المراد بالنسك الذبيحة بعينها، يقول : من فعل كذا فعليه نسك. أي دم يهريقه، وجمع بين الصلاة والذبح، كما في قوله :﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ (الكوثر : ٢) وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال : النسك سبائك الفضة، كل سبيكة منها نسيكة، وقيل : للمتعبد ناسك، لأنه خلص نفسه من دنس الآثام، وصفاها كالسبيكة المخلصة من الخبث، وعلى هذا التأويل، فالنسك كل ما تقربت به إلى الله تعالى. إلا أن الغالب عليه في العرف الذبح وقوله :﴿وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى﴾ أي حياتي وموتي لله.
واعلم أنه تعالى قال :﴿إِنَّ صَلاتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لِلَّهِ رَبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ فأثبت كون الكل لله، والمحيا والممات ليسا لله بمعنى أنه يؤتى بهما لطاعة الله تعالى، فإن ذلك محال، بل معنى كونهما لله أنهما حاصلان بخلق الله تعالى، فكذلك أن يكون كون الصلاة والنسك لله مفسراً بكونهما واقعين بخلق الله، وذلك من أدل الدلائل على أن طاعات العبد مخلوقة لله تعالى. وقرأ نافع ساكنة الياء ونصبها في مماتي، وإسكان الياء في محياي شاذ غير مستعمل، لأن فيه جمعاً بين ساكنين لا يلتقيان على هذا الحد في نثر ولا نظم، ومنهم من قال : إنه لغة لبعضهم، وحاصل الكلام، أنه تعالى أمر رسوله أن يبين أن صلاته وسائر عباداته وحياته ومماته كلها واقعة بخلق الله تعالى، وتقديره وقضاءه وحكمه، ثم نص على أنه لا شريك له في الخلق، والتقدير : ثم يقول وبذلك أمرت أي وبهذا التوحيد أمرت.
ثم يقول :﴿أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي المستسلمين لقضاء الله وقدره، ومعلوم أنه ليس أولاً لكل مسلم، فيجب أن يكون المراد كونه أولاً لمسلمي زمانه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ١٩١
١٩٢


الصفحة التالية
Icon