القول الأول : وهو قول ابن عباس، والحسن ومقاتل أن المعنى أن الله تعالى أمهل كل أمة كذبت رسولها إلى وقت معين، وهو تعالى لا يعذبهم إلى أن ينظروا ذلك الوقت الذي يصيرون فيه مستحقين لعذاب الاستئصال، فإذا جاء ذلك الوقت نزل ذلك العذاب لا محالة.
والقول الثاني : أن المراد بهذا الأجل العمر، فإذا انقطع ذلك الأجل وكمل امتنع وقوع التقديم والتأخير فيه، والقول الأول : أولى، لأنه تعالى قال :﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ ولم يقل ولكل أحد أجل / وعلى القول الثاني : إنما قال :﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ ولم يقل لكل أحد لأن الأمة هي الجماعة في كل زمان، ومعلوم من حالها التقارب في الأجل، لأن ذكر الأمة فيما يجري مجرى الوعيد أفحم، وأيضاً فالقول الأول : يقتضي أن يكون لكل أمة من الأمم وقت معين في نزول عذاب الاستئصال عليهم وليس الأمر كذلك لأن أمتنا ليست كذلك.
المسألة الثالثة : إذا حملنا الآية على القول الثاني : لزم أن يكون لكل أحد أجل، لا يقع فيه التقديم والتأخير فيكون المقتول ميتاً بأجله، وليس المراد منه أنه تعالى لا يقدر على تبقيته أزيد من ذلك، ولا أنقص، ولا يقدر على أن يميته في ذلك الوقت لأن هذايقتضي خروجه تعالى عن كونه قادراً مختاراً، وصيرورته كالموجب لذاته، وذلك في حق الله تعالى ممتنع بل المراد أنه تعالى أخبر أن الأمر يقع على هذا الوجه.
المسألة الرابعة : قوله تعالى :﴿لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةًا وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ المراد أنه لا يتأخر عن ذلك الأجل المعين لا بساعة ولا بما هو أقل من ساعة إلا أنه تعالى ذكر الساعة لأن هذا اللفظ أقل أسماء الأوقات.
فإن قيل : ما معنى قوله :﴿وَلا يَسْتَقْدِمُونَ﴾ فإن عند حضور الأجل امتنع عقلاً وقوع ذلك الأجل في الوقت المتقدم عليه.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
قلنا : يحمل قوله :﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ﴾ على قرب حضور الأجل. تقول العرب : جاء الشتاء، إذا قارب وقته، ومع مقاربة الأجل يصح التقدم على ذلك تارة والتأخر عنه أخرى.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٣٤
٢٣٦
اعلم أنه تعالى لما بين أحوال التكليف وبين أن لكل أحد أجلاً معيناً لا يتقدم ولا يتأخر بين أنهم بعد الموت كانوا مطيعين فلا خوف عليهم ولا حزن وإن كانوا متمردين وقعوا في أشد العذاب وقوله :﴿إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ هي أن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط ولذلك لزمت فعلها النون / الثقيلة وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط والجزاء، وهو قوله :﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ وإنما قال رسل وإن كان خطاباً للرسول عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام لأنه تعالى أجرى الكلام على ما يقتضيه سنته في الأمم وإنما قال :﴿مِّنكُمْ﴾ لأن كون الرسول منهم أقطع لعذرهم وأبين للحجة عليهم من جهات : أحدها : أن معرفتهم بأحواله وبطهارته تكون متقدمة. وثانيها : أن معرفتهم بما يليق بقدرته تكون متقدمة فلا جرم لا يقع في المعجزات التي تظهر عليه شك وشبهة في أنها حصلت بقدرة الله تعالى لا بقدرته فلهذا السبب قال تعالى :﴿وَلَوْ جَعَلْنَـاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَـاهُ رَجُلا﴾ (الأنعام : ٩). وثالثها : ما يحصل من الألفة وسكون القلب إلى أبناء الجنس، بخلاف ما لا يكون من الجنس، فإنه لا يحصل معه الألفة.
وأما قوله :﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ﴾ فقيل تلك الآيات هي القرآن. وقيل الدلائل، وقيل الأحكام والشرائع والأولى دخول الكل فيه، لأن جميع هذه الاْشياء آيات الله تعالى لأن الرسل إذا جاؤا فلا بد وأن يذكروا جميع هذه الأقسام، ثم قسم تعالى حال الأمة فقال :﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ﴾ وجمع هاتين الحالتين مما يوجب الثواب لأن الملتقي هو الذي يتقي كل ما نهى الله تعالى عنه، ودخل في قوله :﴿وَأَصْلَحَ﴾ أنه أتي بكل ما أمر به.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٣٦


الصفحة التالية
Icon