ثم قال :﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ يريد أنهم لم ينتفعوا بالأصنام التي عبدوها في الدنيا / ولم ينتفعوا بنصرة الأديان الباطلة التي بالغوا في نصرتها، قال الجبائي : هذه الآية تدل على حكيمن :
الحكم الأول
قال : الآية تدل على أنهم كانوا في حال التكليف قادرين على الإيمان والتوبة فلذلك سألوا الرد ليؤمنوا ويتوبوا ولو كانوا في الدنيا غير قادرين كما يقوله المجبرة لم يكن لهم في الرد فائدة ولا جاز أن يسألوا ذلك.
الحكم الثاني
أن الآية تدل على بطلان قول المجبرة والذين يزعمون أن أهل الآخرة مكلفون لأنه لو كان كذلك لما سألوا الرد إلى حال وهم في الوقت على مثلها بل كانوا يتوبون ويؤمنون في الحال/ فبطل ما حكي عن النجار وطبقته من أن التكليف باق على أهل الآخرة.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٥٥
٢٧٨
اعلم أنا بينا أن مدار أمر القرآن على تقدير هذه المسائل الأربع، وهي التوحيد والنبوة والمعاد والقضاء والقدر، ولا شك أن مدار إثبات المعاد على إثبات التوحيد والقدرة والعلم، فلما بالغ الله تعالى في تقرير أمر المعاد عاد إلى ذكر الدلائل الدالة على التوحيد، وكمال القدرة، والعلم، لتصير تلك الدلائل مقررة لأصول التوحيد، ومقررة أيضاً لإثبات المعاد وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : حكى الواحدي عن الليث أنه قال : الأصل في الست والستة سدس وسدسة أبدل السين تاء، ولما كان مخرج الدال والتاء قريباً أدغم أحدهما في الآخر واكتفى بالتاء، عليه أنك تقول في تصغير ستة سديسة، وكذلك الأسداس وجميع تصرفاته يدل عليه. والله أعلم.
المسألة الثانية :﴿الْخَلْقِ ﴾ التقدير على ما قررناه فخلق السموات والأرض إشارة إلى تقدير حالة / من أحوالهما، وذلك التقدير يحتمل وجوهاً كثيرة : أولها : تقدير ذواتهما بمقدار معين مع أن العقل يقضي بأن الأزيد منه والأنقص منه جائز، فاختصاص كل واحد منهما بمقداره المعين لا بد وأن يكون بتخصيص مخصص، وذلك يدل على افتقار خلق السموات والأرض إلى الفاعل المختار. وثانيها : أن كون هذه الأجسام متحركة في الأزل محال، لأن الحركة انتقال من حال إلى حال، فالحركة يجب كونها مسبوقة بحالة أخرى، والأزل ينافي المسبوقية فكان الجمع بين الحركة وبين الأزل محالاً.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٧٨


الصفحة التالية
Icon