الحجرات : ١٠) وثالثها : قوله :﴿ذَالِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ (البقرة : ١٧٨) وهذا لا يليق إلا بالمؤمن، ومما يدل على المطلوب قوله تعالى :﴿وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا أولئك ﴾ (الأنفال : ٧٢) هذا أبقى اسم الإيمان لمن لم يهاجر مع عظم الوعيد في ترك الهجرة في قوله تعالى :﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّـاـاهُمُ الْمَلَـا اـاِكَةُ ظَالِمِى أَنفُسِهِمْ ﴾ (النحل : ٢٨) وقوله :﴿مَا لَكُم مِّن وَلَـايَتِهِم مِّن شَىْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾ (الأنفال : ٧٢) ومع هذا جعلهم مؤمنين ويدل أيضاً عليه قوله تعالى :﴿الْحَكِيمُ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَآءَ﴾ (الممتحنة : ١) وقال :﴿ يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَـانَـاتِكُمْ﴾ (الأنفال : ٢٧) وقوله تعالى :﴿تَعْمَلُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ (التحريم : ٨) والأمر بالتوبة لمن لا ذنب له محال وقوله :﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ (النور : ٣١) لا يقال فهذا يقتضي أن يكون كل مؤمن مذنباً وليس كذلك قولنا : هب أنه خص فيما عدا المذنب فبقي فيهم حجة.
القيد الثاني : أن الإيمان ليس عبارة عن التصديق اللساني، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الاخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾ (البقرة : ٨) نفي كونهم مؤمنين، ولو كان الإيمان بالله عبارة عن التصديق اللساني لما صح هذا النفي.
القيد الثالث : أن الإيمان ليس عبارة عن مطلق التصديق لأن من صدق بالجبت والطاغوت لا يسمى مؤمناً.
القيد الرابع : ليس من شرط الإيمان التصديق بجميع صفات الله عزّ وجلّ ؛ لأن الرسول عليه السلام كان يحكم بإيمان من لم يخطر بباله كونه تعالى عالماً لذاته أو بالعلم، ولو كان هذا القيد وأمثاله شرطاً معتبراً في تحقيق الإيمان لما جاز أن يحكم الرسول بإيمانه قبل أن يجربه في أنه هل يعرف ذلك أم لا. فهذا هو بيان القول في تحقيق الإيمان، فإن قال قائل : ها هنا صورتان : الصورة الأولى : من عرف الله تعالى بالدليل والبرهان ولما تم العرفان مات ولم يجد من الزمان والوقت ما يتلفظ فيه بكلمة الشهادة. فههنا أن حكمتم أنه مؤمن فقد حكمتم بأن الإقرار اللساني غير معتبر في تحقيق الإيمان، وهو خرق للإجماع، وإن حكمتم بأنه غير مؤمن فهو باطل ؛ لقوله عليه السلام :"يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وهذا قلب طافح بالإيمان، فكيف لا يكون مؤمناً ؟
الصورة الثانية : من عرف الله تعالى بالدليل ووجد من الوقت ما أمكنه أن يتلفظ بكلمة الشهادة ولكنه لم يتلفظ بها فإن قلتم إنه مؤمن فهو خرق للإجماع، وإن قلتم ليس بؤمن فهو باطل ؛ لقوله عليه السلام :"يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان" ولا ينتقي الإيمان من القلب بالسكوت عن النطق.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
والجواب : أن الغزالي منع من هذا الإجماع في الصورتين، وحكم بكونهما مؤمنين، وإن الامتناع عن النطق يجري مجرى المعاصي التي يؤتى بها مع الإيمان.


الصفحة التالية
Icon