وأما السؤال السابع : وهو تقدير هذه المدة بستة أيام، فهو غير وارد لأنه تعالى لو أحدثه في مقدار آخر من الزمان لعاد ذلك السؤال، وأيضاً قال بعضهم لعدد السبعة شرف عظيم، وهو مذكور في تقرير أن ليلة القدر هي ليلة السابع والعشرين، وإذا ثبت هذا قالوا : فالأيام الستة في تخليق العالم واليوم السابع في حصول كمال الملك والملكوت. وبهذا الطريق حصل الكمال في الأيام السبعة انتهى.
المسألة الرابعة : في هذه الآية بشارة عظيمة للعقلاء لأنه قال :﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ والمعنى أن الذي يربيكم ويصلح شأنكم ويوصل إليكم الخيرات ويدفع عنكم المكروهات / هو الذي بلغ كمال قدرته وعلمه وحكمته ورحمته إلى حيث خلق هذه الأشياء العظيمة وأودع فيها أصناف المنافع وأنواع الخيرات، ومن كان له مرب موصوف بهذه الحكمة والقدرة والرحمة، فكيف يليق أن يرجع إلى غيره في طلب الخيرات أو يعول على غيره في تحصيل السعادات ؟
ثم في الآية دقيقة أخرى فإنه لم يقل أنتم عبيده بل قال هو ربكم، ودقيقة أخرى وهي أنه تعالى لما نسب نفسه إلينا سمى نفسه في هذه الحالة بالرب، وهو مشعر بالتربية وكثرة الفضل والإحسان، فكأنه يقول من كان له مرب مع كثرة هذه الرحمة والفضل، فكيف يليق به أن يشتغل بعبادة غيره ؟
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٧٨
أما قوله تعالى :﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ فاعلم أنه لا يمكن أن يكون المراد منه كونه مستقراً على العرش ويدل على فساده وجوه عقلية، ووجوه نقلية. أما العقلية فأمور : أولها : أنه لو كان مستقراً على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهياً وإلا لزم كون العرش داخلاً في ذاته وهو محال، وكل ما كان متناهياً فإن العقل يقضي بأنه لا يمنع أن يصير أزيد منه أو أنقص منه بذرة والعلم بهذا الجواز ضروري، فلو كان الباري تعالى متناهياً من بعض الجوانب لكانت ذاته قابلة للزيادة والنقصان، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بذلك المقدار المعين لتخصيص مخصص وتقدير مقدر، وكل ما كان كذلك فهو محدث، فثبت أنه تعالى لو كان على العرش لكان من الجانب الذي يلي العرش متناهياً، ولو كان كذلك لكان محدثاً وهذا محال فكونه على العرش يجب أن يكون محالاً. وثانيها : لو كان في مكان وجهة لكان إما أن يكون غير متناه من كل الجهات، وإما أن يكون متناهياً في كل الجهات. وإما أن يكون متناهياً من بعض الجهات دون البعض والكل باطل فالقول بكونه في المكان والحيز باطل قطعاً.
بيان فساد القسم الأول : أنه يلزم أن تكون ذاته مخالطة لجميع الأجسام السفلية والعلوية، وأن تكون مخالطة للقاذورات والنجاسات، وتعالى الله عنه، وأيضاً فعلى هذا التقدير : تكون السموات حالة في ذاته، وتكون الأرض أيضاً حالة في ذاته.
إذا ثبت هذا فنقول : الشيء الذي هو محل السموات، إما أن يكون هو عين الشيء الذي هو محل الأرضين أو غيره، فإن كان الأول لزم كون السموات والأرضين حالتين في محل واحد من غير امتياز بين محليهما أصلاً، وكل حالين حلا في محل واحد، لم يكن أحدهما ممتازاً عن الآخر، فلزم أن يقال : السموات لا تمتاز عن الأرضين في الذات، وذلك باطل، وإن كان الثاني : لزم أن تكون ذات الله تعالى مركبة من الأجزاء والأبعاض وهو محال. والثالث : وهو أن ذات الله تعالى إذا كانت حاصلة في جميع الأحياز والجهات، فإما أن يقال : الشيء الذي حصل فوق هو / عين الشيء الذي حصل تحت، فحينئذ تكون الذات الواحدة قد حصلت دفعة واحدة في أحياز كثيرة، وإن عقل ذلك فلم لا يعقل أيضاً حصول الجسم الواحد في أحياز كثيرة دفعة واحدة ؟
وهو محال في بديهة العقل. وأما إن قيل : الشيء الذي حصل فوق غير الشيء الذي حصل تحت، فحينئذ يلزم حصول التركيب والتبعيض في ذات الله تعالى وهو محال.
وأما القسم الثاني : وهو أن يقال : أنه تعالى متناه من كل الجهات. فنقول : كل ما كان كذلك فهو قابل للزيادة والنقصان في بديهة العقل، وكل ما كان كذلك كان اختصاصه بالمقدار المعين، لأجل تخصيص مخصص، وكل ما كان كذلك فهو محدث، وأيضاً فإن جاز أن يكون الشيء المحدود من كل الجوانب قديماً أزلياً فاعلاً للعالم، فلم لا يعقل أن يقال : خالق العالم هو الشمس، أو القمر، أو كوكب آخر، وذلك باطل باتفاق.
جزء : ١٤ رقم الصفحة : ٢٧٨


الصفحة التالية
Icon