المسألة السادسة : ذكروا في تفسير إقامة الصلاة وجوهاً : أحدها : أن إقامتها عبارة عن تعديل أركانها وحفظها من أن يقع خلل في فرائضها وسننها وآدابها، من أقام العود إذا قومه. وثانيها : أنها عبارة عن المداومة عليها كما قال تعالى :﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ وقال :﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَآا ِمُونَ﴾ (المعارج : ٣٤) من قامت السوق إذا نفقت، وأقامتها نفاقها ؛ لأنها إذا حوفظ عليها كانت كالشيء النافق الذي نتوجه إليه الرغبات، وإذا أضيعت كانت كالشيء الكاسد الذي لا يرغب فيه وثالثها : أنها عبارة عن التجرد لأدائها وأن لا يكون في مؤديها فتور من قولهم : قام / بالأمر، وقامت الحرب على ساقها، وفي ضده : قعد عن الأمر، وتقاعد عنه إذا تقاعس وتثبط. ورابعها : إقامتها عبارة عن أدائها، وإنما عبر عن الأداء بالإقامة لأن القيام بعض أركانها كما عبر عنها بالقنوت وبالركوع وبالسجود، وقالوا : سبح إذا صلى، لوجود التسبيح فيها، قال تعالى :﴿فَلَوْلا أَنَّه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ﴾ (الصافات : ١٤٣) واعلم أن الأولى حمل الكلام على ما يحصل معه من الثناء العظيم، وذلك لا يحصل إلا إذا حملنا الإقامة على إدامة فعلها من غير خلل في أركانها وشرائطها ؛ ولذلك فإن القيم بأرزاق الجند إنما يوصف بكونه قيماً إذا أعطي الحقوق من دون بخس ونقص ؛ ولهذا يوصف الله تعالى بأنه قائم وقيوم ؛ لأنه يجب دوام وجوده ؛ ولأنه يديم إدرار الرزق على عباده.
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨
المسألة السابعة : ذكروا في لفظ الصلاة في أصل اللغة وجوهاً. أحدها : أنها الدعاء قال الشاعر :
فوقابلها الريح في دنها
وصلى على دنها وارتشم
وثانيها : قال الخارزنجي. اشتقاقها من الصلى، وهي النار، من قولهم : صليت العصا إذا قومتها بالصلى، فالمصلي كأنه يسعى في تعديل باطنه وظاهره مثل من يحاول تقويم الخشبة بعرضها على النار. وثالثها : أن الصلاة عبارة عن الملازمة من قوله تعالى :﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً﴾ (لغشية : ٤) ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ (المسد : ٣) وسمي الفرس الثاني من أفراس المسابقة مصلياً. ورابعها : قال صاحب الكشاف : الصلاة فعلة من "صلى" كالزكاة من "زكى" وكتبتها بالواو على لفظ المفخم، وحقيقة صلى حرك الصلوين، لأن المصلي يفعل ذلك في ركوعه وسجوده، وقيل الداعي مصلى تشبيهاً له في تخشعه بالراكع والساجد، وأقول ها هنا بحثان :
الأول : إن هذا الاشتقاق الذي ذكره صاحب الكشاف يفضي إلى طعن عظيم في كون القرآن حجة، وذلك لأن لفظ الصلاة من أشد الألفاظ شهرة وأكثرها دوراناً على ألسنة المسلمين، واشتقاقه من تحريك الصلوين من أبعد الأشياء اشتهاراً فيما بين أهل النقل، ولو جوزنا أن يقال : مسمى الصلاة في الأصل ما ذكره، ثم أنه خفي ولدارس حتى صار بحيث لا يعرفه إلا الآحاد لكان مثله في سائر الألفاظ جائزاً، ولو جوزنا ذلك لما قطعنا بأن مراد الله تعالى من هذه الألفاظ ما تتبادر أفهامنا إليه من المعاني في زماننا هذا، لاحتمال أنها كانت في زمان الرسول موضوعة لمعان أخر، وكان مراد الله تعالى منها تلك المعاني، إلا أن تلك المعاني خفيت في زماننا واندرست كما وقع مثله في هذه اللفظة، فلما كان ذلك باطلاً بإجماع المسلمين علمنا أن الاشتقاق الذي ذكره مردود باطل.
الثاني : الصلاة في الشرع عبارة عن أفعال مخصوصة يتلو بعضها بعضاً مفتتحة بالتحريم/ مختتمة بالتحليل، وهذا الاسم يقع على الفرض والنفل. لكن المراد بهذه الآية الفرض خاصة ؛ لأنه الذي يقف الصلاح عليه ؛ لأنه عليه السلام لما بين للإعرابي صفة الصلاة المفروضة قال والله لا أزيد عليها ولا أنقص منها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"أفلح إن صدق".
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٥٨