المسألة الثامنة : الكلمة إما أن يكون معناها مستقلاً بالمعلومية، أو لا يكون، وهذا الأخير هو الحرف، فامتياز الحرف عن الاسم والفعل بقيد عدمي، ثم نقول : والمستقل بالمعلومية إما أن يدل على الزمان المعين لذلك المسمى، أو لا يدل، والذي لا يدل هو الاسم، فامتاز الاسم عن الفعل بقيد عدمي، وأما الفعل فإن ماهيته متركبة من القيود الوجودية.
هل يدل الفعل على الفاعل المبهم :
المسألة التاسعة : إذا قلنا : ضرب، فهو يدل على صدور الضرب عن شيء ما إلا أن ذلك الشيء غير مذكور على التعيين، بحسب هذا اللفظ، فإن قالوا : هذا محال، ويدل عليه وجهان : الأول : أنه لو كان كذلك لكانت صيغة الفعل وحدها محتملة للتصديق والتكذيب، الثاني : أنها لو دلت على استناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر وجب أن يمتنع إسناده إلى شيء معين، وإلا لزم التناقض، ولو دلت على استناد الضرب إلى شيء معين فهو باطل، لأنا نعلم بالضرورة أن مجرد قولنا ضرب ما وضع لاستناد الضرب إلى زيد بعينه أو عمرو بعينه، والجواب عن هذين السؤالين بجواب واحد، وهو أن ضرب صيغة غير موضوعة لإسناد الضرب إلى شيء مبهم في نفس الأمر، بل وضعت لإسناده إلى شيء معين يذكره ذلك القائل فقبل أن يذكره القائل لا يكون الكلام تاماً ولا محتملاً للتصديق والتكذيب، وعلى هذا التقدير فالسؤال زائل.
المسألة الحادية عشرة : إذا قلنا لهذه الحروف المتوالية والأصوات المتعاقبة إنها كلام الله تعالى كان المراد أنها ألفاظ دالة على الصفة القائمة بذات الله تعالى فأطلق اسم الكلام عليها على سبيل المجاز، وأما حديث الحنث والبر فذلك لأن مبني الأَيمان على العرف، وإذا قلنا : كلام الله قديم، لم نعن به إلا تلك الصفة القديمة التي هي مدلول هذه الألفاظ والعبارات. وإذا قلنا : كلام الله معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلّم، عنينا به هذه الحروف وهذه الأصوات التي هي حادثة، فإن القديم كان موجوداً قبل محمد عليه الصلاة والسلام فكيف يكون معجزة له ؟
وإذا قلنا : كلام الله سور وآيات، عنينا به هذه الحروف، وإذا قلنا : كلام الله فصيح، عنينا به هذه الألفاظ، وإذا شرعنا في تفسير كلام الله تعالى عنينا به أيضاً هذه الألفاظ.
الأصوات التي نقرأ بها ليست كلام الله :
المسألة الثانية عشرة : زعمت الحشوية أن هذه الأصوات التي نسمعها من هذا الإنسان عين كلام الله تعالى، وهذا باطل، لأنا نعلم بالبديهة أن هذه الحروف والأصوات التي نسمعها من هذا الإنسان صفة قائمة بلسانه وأصواته، فلو قلنا بأنها عين كلام الله تعالى لزمنا القول بأن الصفة الواحدة بعينها قائمة بذات الله تعالى وحالة في بدن هذا الإنسان/ وهذا معلوم الفساد بالضرورة، وأيضاً فهذا عين ما يقوله النصارى من أن أقنوم الكلمة حلت في ناسوت صريح، وزعموا أنها حالة في ناسوت عيسى عليه السلام، ومع ذلك فهي صفة لله تعالى، وغير زائلة عنه، وهذا عين ما يقوله الحشوية من أن كلام الله تعالى حال في لسان هذا الإنسان / مع أنه غير زائل عن ذات الله تعالى، ولا فرق بين القولين، إلا أن النصارى قالوا : بهذا القول في حق عيسى وحده، وهؤلاء الحمقى قالوا بهذا القول الخبيث في حق كل الناس من المشرق إلى المغرب.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٢٧
المسألة الثالثة عشرة : قالت الكرامية : الكلام اسم للقدرة على القول، بدليل أن القادر على النطق يقال إنه متكلم، وإن لم يكن في الحال مشتغلاً بالقول، وأيضاً فضد الكلام هو الخرس، لكن الخرس عبارة عن العجز عن القول، فوجب أن يكون الكلام عبارة عن القدرة على القول، وإذا ثبت هذا فهم يقولون : إن كلام الله تعالى قديم، بمعنى أن قدرته على القول قديمة، أما القول فإنه حادث، هذا تفصيل قولهم وقد أبطلناه.
خلاف الحشوية والأشعرية في صفة القرآن :
المسألة الرابعة عشرة : قالت الحشوية للأشعرية : إن كان مرادكم من قولكم :"إن القرآن قديم" هو أن هذا القرآن دال على صفة قديمة متعلقة بجميع المأمورات والمحرمات وجب أن يكون كل كتاب صنف في الدنيا قديماً، لأن ذلك الكتاب له مدلول ومفهوم، وكلام الله سبحانه وتعالى لما كان عام التعلق بجميع المتعلقات كان خبراً عن مدلولات ذلك الكتاب فعلى هذا التقدير لا فرق بين القرآن وبين سائر كتب الفحش والهجو في كونه قديماً بهذا التفسير، وإن كان المراد من كونه قديماً وجهاً آخر سوى ذلك فلا بدّ من بيانه. والجواب أنا لا نلتزم كون كلامه تعالى متعلقاً بجميع المخبرات، وعلى هذا التقدير فيسقط هذا السؤال.


الصفحة التالية
Icon