﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُوا إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى ﴾ (الإسراء : ٩٤) وهو إنكار بلفظ الاستفهام ومعلوم أن رجلاً لو حبس آخر في بيت بحيث لا يمكنه الخروج عنه ثم يقول ما منعك من التصرف في حوائجي كان ذلك منه مستقبحاً وكذا قوله :﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُوا ﴾ (الأعراف : ١٢) وقوله لإبليس :﴿مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ﴾ (النساء : ٣٩) وقول موسى لأخيه :﴿مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا ﴾ (طه : ٩٢) وقوله :﴿فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ (الانشقاق : ٢٠) ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ (المدثر : ٤٩) ﴿عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ (التوبة : ٤٣) ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ﴾ (التحريم : ١) قال الصاحب بن عباد في فصل له في هذا الباب : كيف يأمره بالإيمان وقد منعه عنه ؟
وينهاه عن الكفر وقد حمله عليه، وكيف يصرفه عن الإيمان ثم يقول أنى تصرفون ؟
ويخلق فيهم الإفك ثم يقول أنى تؤفكون ؟
وأنشأ فيهم الكفر ثم يقوم لم تكفرون ؟
وخلق فيهم لبس الحق بالباطل ثم يقول ﴿لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَـاطِلِ﴾ (آلل عمران : ٧١) وصدهم عن السبيل ثم يقول :﴿لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ (آل عمران : ٩٩) وحال بينهم وبين الإيمان ثم قال :﴿وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ ءَامَنُوا ﴾ وذهب بهم عن الرشد ثم قال :﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ (التكوير : ٢٦) وأضلهم عن الدين حتى أعرضوا ثم قال :﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾. (المدثر : ٤٩) وثانيها : أن الله تعالى قال :﴿رُّسُلا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّة بَعْدَ الرُّسُلِ ﴾ (السناء : ١٦٥) وقال :﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِه لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ ءَايَـاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ﴾ (طه : ١٣٤) فلما بين أنه ما أبقي لهم عذراً إلا وقد أزاله عنهم، فلو كان علمه بكفرهم وخبره عن كفرهم مانعاً لهم عن الإيمان لكان ذلك من أعظم الأعذار وأقوى الوجوه الدافعة للعقاب عنهم فلما لم يكن كذلك علمنا أنه غير مانع. وثالثها : أنه تعالى حكى عن الكفار في سورة "حم السجدة" أنهم قالوا : قلوبنا في أكنه مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر، وإنما ذكر الله تعالى ذلك ذماً لهم في هذا القول، فلو كان العلم مانعاً لكانوا صادقين / في ذلك فلم ذمهم عليه ؟
ورابعها : أنه تعالى أنزل قوله :
جزء : ٢ رقم الصفحة : ٢٨٠


الصفحة التالية
Icon