المسألة الثانية : قوله تعالى :﴿زِيَادَةٌ فِى الْكُفْرِ ﴾ معناه : أنه تعالى حكى عنهم أنواعاً كثيرة من الكفر، فلما ضموا إليها هذا العمل ونحن قد دللنا على أن هذا العمل كفر. كان ضم هذا العمل إلى تلك الأنواع المذكورة سالفاً من الكفر زيادة في الكفر. احتج الجبائي بهذه الآية على فساد قول من يقول : الإيمان مجرد الاعتقاد والإقرار، قال : لأنه تعالى بين أن هذا العمل زيادة في الكفر والزيادة على الكفر يجب أن تكون إتماماً، فكان ترك هذا التأخير إيماناً، وظاهر أن هذا الترك ليس بمعرفة ولا بإقرار. فثبت أن غير المعرفة والإقرار قد يكون إيماناً قال المصنف رضي الله عنه : هذا الاستدلال ضعيف، لأنا بينا أنه تعالى لما أوجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة مثلاً من الأشهر القمرية، فإذا اعتبرنا السنة الشمسية، فربما وقع الحج في المحرم مرة وفي صفر أخرى. فقولهم : بأن هذا الحج صحيح يجزى، وأنه لا يجب عليهم إيقاع الحج في شهر ذي الحجة إن كان منهم بحكم علم بالضرورة كونه من دين إبراهيم وإسمعيل عليهما السلام، فكان هذا كفراً بسبب عدم العلم وبسبب عدم الإقرار.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٦
أما قوله تعالى :﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ فهذا قراءة العامة وهي حسنة لإسناد الضلال إلى الذين كفروا لأنهم إن كانوا ضالين في أنفسهم فقد حسن إسناد الضلال إليهم، وإن كانوا مضلين لغيرهم حسن أيضاً، لأن المضل لغيره ضال في نفسه لامحال. وقراءة أهل الكوفة ﴿يُضَلُّ﴾ بضم الياء وفتح الضاد، ومعناه : أن كبراءهم يضلونهم بحملهم على هذا التأخير في الشهور، فأسند الفعل إلى المفعول كقوله في هذه الآية :﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُواءُ أَعْمَـالِهِمْ ﴾ أي زين لهم ذلك حاملوهم عليه. وقرأ أبو عمرو في رواية من طريق ابن مقسم ﴿يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ بضم الياء وكسر الضاد وله ثلاثة أوجه :/ أحدها : يضل الله به الذين كفروا. والثاني : يضل الشيطان به الذين كفروا. والثالث : وهو أقواها يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأقوالهم، وإنما كان هذا الوجه أقوى لأنه لم يجر ذكر الله ولا ذكر الشيطان.
واعلم أن الكناية في قوله :﴿يُضَلُّ بِهِ﴾ يعود إلى النسىء. وقوله :﴿يُحِلُّونَه عَامًا وَيُحَرِّمُونَه عَامًا﴾ فالضمير عائد إلى النسىء. والمعنى : يحلون ذلك الإنساء عاماً ويحرمونه عاماً. قال الواحدي : يحلون التأخير عاماً وهو العام الذي يريدون أن يقاتلوا في المحرم، ويحرمون التأخير عاماً آخر وهو العام الذي يدعون المحرم على تحريمه. قال رضي الله عنه هذا التأويل إنما يصح إذا فسرنا النسىء بأنهم كانوا يؤخرون المحرم في بعض السنين، وذلك يوجب أن ينقلب الشهر المحرم إلى الحل وبالعكس، إلا أن هذا إنما يصلح لو حملنا النسىء على المفعول وهو المنسوء المؤخر، وقد ذكرنا أنه مشكل لأنه يقتضي أن يكون الشهر المؤخر كفراً وأنه غير جائز إلا إذا قلنا إن المراد من النسىء المنسوء وهو المفعول، وحملنا قوله :﴿إِنَّمَا النَّسِى ءُ﴾ زيادة في الكفر على أن المراد العمل الذي به يصير النسىء سبباً في زيادة الكفر، وبسبب هذا الإضمار يقوى هذا التأويل.
أما قوله :﴿لِّيُوَاطِـاُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ﴾ قال أهل اللغة يقال : واطأت فلاناً على كذا إذا وافقته عليه. قال المبرد : يقال : تواطأ القوم على كذا إذا اجتمعوا عليه، كان كل واحد يطأ حيث يطأ صاحبه والإيطاء في الشعر من هذا وهو أن يأتي في القصيدة بقافيتين على لفظ واحد، ومعنى واحد. قال ابن عباس رضي الله عنهما : أنهم ما أحلوا شهراً من الحرام إلا حرموا مكانه شهراً من الحلال، ولم يحرموا شهراً من الحلال إلا أحلوا مكانه شهراً من الحرام، لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة، مطابقة لما ذكره الله تعالى، هذا هو المراد من المواطأة. ولما بين تعالى كون هذا العمل كفراً ومنكراً قال :﴿زُيِّنَ لَهُمْ سُواءُ أَعْمَـالِهِم وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَـافِرِينَ﴾ قال ابن عباس والحسن : يريد زين لهم الشيطان هذا العمل والله لا يرشد كل كفار أثيم.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٤٦
٤٨
في الآية مسائل :