المسألة الثانية : قوله :﴿إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ يعني قد نصره الله في الوقت الذي أخرجه الذين كفروا من مكة وقوله :﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ نصب على الحال، أي في الحال التي كان فيها ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ وتفسير قوله :﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ سبق في قوله :﴿ثَالِثُ ثَلَـاثَةٍ ﴾ وتحقيق القول أنه إذا حضر اثنان فكل / واحد منهما يكون ثانياً في ذينك الاثنين للآخر. فلهدا السبب قالوا : يقال فلان ثاني اثنين، أي هو أحدهما. قال صاحب "الكشاف" : وقرىء ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ بالسكون و﴿إِذْ هُمَا﴾ بدل من قوله :﴿إِذْ أَخْرَجَهُ﴾ والغار ثقب عظيم في الجبل، وكان ذلك الجبل يقال له ثور، في يمين مكة على مسيرة ساعة، مكث رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيه مع أبي بكر ثلاثاً. وقوله : إذ يقول : بدل ثان.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٥
المسألة الثالثة : ذكروا أن قريشاً ومن بمكة من المشركين تعاقدوا على قتل رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنزل ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ (الأنفال : ٣٠) فأمره الله تعالى أن يخرج هو وأبو بكر أول الليل إلى الغار، والمراد من قوله :﴿أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ هو أنهم جعلوه كالمضطر إلى الخروج. وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأبو بكر أول الليل إلى الغار، وأمر علياً أن يضطجع على فراشه ليمنعهم السواد من طلبه، حتى يبلغ هو وصاحبه إلى ما أمر الله به، فلما وصلا إلى الغار دخل أبو بكر الغار أولاً، يلتمس ما في الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم، مالك ؟
فقال : بأبي أنت وأمي، الغيران مأوى السباع والهوام، فإن كان فيه شيء كان بي لا بك، وكان في الغار جحر، فوضع عقبه عليه لئلا يخرج ما يؤذي الرسول، فلما طلب المشركون الأثر وقربوا، بكى أبو بكر خوفاً على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عليه السلام :"لا تحزن إن الله معنا" فقال أبو بكر : إن الله لمعنا، فقال الرسول :"نعم" فجعل يمسح الدموع عن خده. ويروى عن الحسن أنه كان إذا ذكر بكاء أبي بكر بكى، وإذا ذكر مسحه الدموع مسح هو الدموع عن خده. وقيل : لما طلع المشركون فوق الغار أشفق أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : إن تصب اليوم ذهب دين الله. فقال رسول الله :"ما ظنك باثنين الله ثالثهما" وقيل لما دخل الغار وضع أبو بكر ثمامة على باب الغار، وبعث الله حمامتين فباضتا في أسفله والعنكبوت نسجت عليه وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"اللهم أعم أبصارهم" فجعلوا يترددون حول الغار ولا يرون أحداً.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٥٥


الصفحة التالية
Icon