اختلفوا في هذا العامل إذا كان غنياً هل يأخذ النصيب ؟
قال الحسن : لا يأخذ إلا مع الحاجة وقال الباقون : يأخذ وإن كان غنياً لأنه يأخذه أجرة على العمل، ثم اختلفوا فقال بعضهم : للعامل في مال الزكاة الثمن، لأن الله تعالى قسم الزكاة على ثمانية أصناف فوجب أن يحصل له الثمن، كما أن من أوصى بمال لثمانية أنفس حصل لكل واحد منهم ثمنه، وقال الأكثرون : بل حقه بقدر مؤنته عند الجباية والجمع.
الحكم الخامس
اتفقوا على أن مال الزكاة لا يخرج عن هذه الثمانية واختلفوا أنه هل يجوز وضعه في بعض الأصناف فقط ؟
وقد سبق ذكر دلائل هاتين المسألتين، إلا أنا إذا قلنا يجوز وضعه في بعض / الأصناف فقط فهذا إنما يجوز في غير العامل، وأما وضعه بالكلية في العالم فذلك غير جائز بالاتفاق.
الحكم السادس
أن العامل والمؤلفة مفقودان في هذا الزمان، ففيه الأصناف الستة والأولى صرف الزكاة إلى هذه الأصناف الستة على ما يقوله الشافعي، لأنه الغاية في الاحتياط، أما إن لم يفعل ذلك أجزأه على ما بيناه.
الحكم السابع
عموم قوله :﴿لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَـاكِينِ﴾ يتناول الكافر والمسلم إلا أن الأخبار دلت على أنه لا يجوز صرف الزكاة إلى الفقراء والمساكين وغيرهم إلا إذا كانوا مسلمين.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الأصناف الثمانية وشرح أحوالهم. قال :﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّه ﴾ قال الزجاج :﴿فَرِيضَةً﴾ منصوب على التوكيد، لأن قوله :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ﴾ لهؤلاء جار مجرى قوله : فرض الله الصدقات لهؤلاء فريضة، وذلك كالزجر عن مخالفة هذا الظاهر، وعن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال :"إن الله تعالى لم يرض بقسمة الزكاة أن يتولاها ملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمتها بنفسه" والمقصود من هذه التأكيدات تحريم إخراج الزكاة عن هذه الأصناف.
ثم قال :﴿وَاللَّهُ عَلِيمُ ﴾ أي أعلم بمقادير المصالح ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يشرع إلا ما هو الأصوب الأصلح والله أعلم.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٨٩
٩١
اعلم أن هذا نوع آخر من جهالات المنافقين وهو أنهم كانوا يقولون في رسول الله أنه أذن على وجه الطعن والذم، وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : قرأ عاصم في رواية الأعمش وعبد الرحمن عن أبي عكرمة عنه ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ مرفوعين منونين، على تقدير : إن كان كما تقولون إنه أذن. فأذن خير لكم يقبل منكم ويصدقكم خير لكم من أن يكذبكم، والباقون ﴿أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾ بالإضافة، أي هو أذن خير، لا أذن شر، وقرأ نافع ﴿أُذُنٌ ﴾ ساكنته الذال في كل القرآن، والباقون بالضم وهما لغتان مثل عنق وظفر.
المسألة الثانية : قال ابن عباس رضي الله عنه : أن جماعة من المنافقين، ذكروا النبي صلى الله عليه وسلّم بما لا ينبغي من القول فقال بعضهم لا تفعلوا فإنا نخاف أن يبلغه ما نقول، فقال الجلاس بن سويد : بل نقول ما شئنا، ثم نذهب إليه ونحلف أنا ما قلنا، فيقبل قولنا، وإنما محمد أذن سامعة، فنزلت هذه الآية. وقال الحسن : كان المنافقون يقولون ما هذا الرجل إلا أذن، من شاء صرفه حيث شاء لا عزيمة له. وروى الأصم أن رجلاً منهم قال لقومه إن كان ما يقول محمد حقاً، فنحن شر من الحمير فسمعها ابن امرأته، فقال : والله إنه لحق وإنك أشر من حمارك، ثم بلغ النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك فقال بعضهم : إنما محمد أذن ولو لقيته وحلفت له ليصدقنك، فنزلت هذه الآية على وفق قوله. فقال القائل : يا رسول الله لم أسلم قط قبل اليوم، وإن هذا الغلام لعظيم الثمن علي والله لأشكرنه ثم قال الأصم : أظهر الله تعالى عن المنافقين وجوه كفرهم التي كانوا يسرونها لتكون حجة للرسول ولينزجروا. فقال :﴿وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَـاتِ﴾.
ثم قال :﴿وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ﴾ ثم قال :﴿وَمِنْهُم مَّنْ عَـاهَدَ اللَّهَ﴾ إلى غير ذلك من الأخبار عن الغيوب، وفي كل ذلك دلائل على كونه نبياً حقاً من عند الله.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ٩١
المسألة الثالثة : اعلم أنه تعالى حكى أن من المنافقين من يؤذي النبي، ثم فسر ذلك الإيذاء بأنهم يقولون للنبي أنه أذن، وغرضهم منه أنه ليس له ذكاء ولا بعد غور، بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع، فلهذا السبب سموه بأنه أذن، كما أن الجاسوس يسمى بالعين يقال : جعل فلان علينا عيناً، أي جاسوساً متفحصاً عن الأمور، فكذا ههنا.
ثم إنه تعالى أجاب عنه بقوله ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾ والتقدير : هب أنه أذن لكنه خير لكم وقوله :﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ مثل ما يقال فلان رجل صدق وشاهد عدل، ثم بين كونه ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ بقوله :﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ ﴾ جعل تعالى هذه الثلاثة كالموجبة لكونه عليه الصلاة والسلام ﴿أُذُنُ خَيْرٍ﴾ فلنبين كيفية اقتضاء هذه المعاني لتلك الخيرية.


الصفحة التالية
Icon