اعلم أنه تعالى لما بين الوعيد في حق من يوهم العذر، مع أنه لا عذر له، ذكر أصحاب الأعذار / الحقيقية، وبين أن تكليف الله تعالى بالغزو والجهاد عنهم ساقط، وهم أقسام :
القسم الأول : الصحيح في بدنه، الضعيف مثل الشيوخ. ومن خلق في أصل الفطرة ضعيفاً نحيفاً، وهؤلاء هم المرادون بالضعفاء. والدليل عليه : أنه عطف عليهم المرضى، والمعطوف مباين للمعطوف عليه، فما لم يحمل الضعفاء على الذين ذكرناهم، لم يتميزوا عن المرضى.
وأما المرضى : فيدخل فيهم أصحاب العمى، والعرج، والزمانة، وكل من كان موصوفاً بمرض يمنعه من التمكن من المحاربة.
والقسم الثالث : الذين لا يجدون الأهبة والزاد والراحلة، وهم الذين لا يجدون ما ينفقون، لأن حضوره في الغزو إنما ينفع إذا قدر على الإنفاق على نفسه. أما من مال نفسه، أو من مال إنسان آخر يعينه عليه، فإن لم تحصل هذه القدرة، صار كلاً ووبالاً على المجاهدين ويمنعهم من الاشتغال بالمقصود، ثم إنه تعالى لما ذكر هذه الأقسام الثلاثة قال : لا حرج على هؤلاء، والمراد أنه يجوز لهم أن يتخلفوا عن الغزو، وليس في الآية بيان أنه يحرم عليهم الخروج، لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة. إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم، بشرط أن لايجعل نفسه كلاً ووبالاً عليهم، كان ذلك طاعة مقبولة. ثم إنه تعالى شرط في جواز هذا التأخير شرطاً معيناً وهو قوله :﴿إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِه ﴾ ومعناه أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إلقاء الأراجيف، وعن إثارة الفتن، وسعوا في إيصال الخير إلى المجاهدين الذين سافروا، إما بأن يقوموا بإصلاح مهمات بيوتهم، وإما بأن يسعوا في إيصال الأخبار السارة من بيوتهم إليهم، فإن جملة هذه الأمور جارية مجرى الإعانة على الجهاد.
جزء : ١٦ رقم الصفحة : ١٢٣


الصفحة التالية
Icon