وهذه الوجوه مطردة في قوله :﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنا بَعْدِ ذَالِكَ فَهِىَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ﴾ (البقرة : ٧٤) السؤال الثالث : المشبه بالصيب والظلمات والرعد والبرق والصواعق ما هو ؟
الجواب : لعلماء البيان ههنا قولان : أحدهما : أن هذا تشبيه مفرق ومعناه أن يكون المثل مركباً من أمور والممثل يكون أيضاً مركباً من أمور ويكون كل واحد من المثل شبيهاً بكل واحد من الممثل، فههنا شبه دين الإسلام بالصيب، لأن القلوب تحيا به حياة الأرض بالمطر، وما يتعلق به من شبهات الكفار بالظلمات، وما فيه من الوعد والوعيد بالبرق والرعد ؛ وما يصيب الكفرة من الفتن من جهة أهل الإسلام بالصواعق، والمعنى أو كمثل ذوي صيب، والمراد كمثل قوم أخذتهم السماء على هذه الصفة : والقول الثاني : أنه تشبيه مركب، وهو الذي يشبه فيه إحدى الجملتين بالأخرى في أمر / من الأمور وإن لم تكن آحاد إحدى الجملتين شبيهة بآحاد الجملة الأخرى وههنا المقصود تشبيه حيرة المنافقين في الدنيا والدين بحيرة من انطفت ناره بعد إيقادها، وبحيرة من أخذته السماء في الليلة المظلمة مع رعد وبرق، فإن قيل الذي كنت تقدره في التشبيه المفرق من حذف المضاف وهو قولك : أو كمثل ذوي صيب هل يقدر مثله في المركب، قلنا لولا طلب الراجع في قوله :﴿يَجْعَلُونَ أَصَـابِعَهُمْ فِى ءَاذَانِهِم﴾ ما يرجع إليه لما كان بنا حاجة إلى تقديره : السؤال الرابع : ما الصيب ؟
الجواب : أنه المطر الذي يصوب، أي ينزل من صاب يصوب إذا نزل ومنه صوب رأسه إذا خفضه وقيل إنه من صاب يصوب إذا قصد، ولا يقال صيب إلا للمطر الجود. كان عليه الصلاة والسلام يقول :"اللهم اجعله صيباً هنيئاً" أي مطراً جوداً وأيضاً يقال للسحاب صيب قال الشماخ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٥
وأسحم دان صادق الوعد صيب
وتنكير صيب لأنه أريد نوع من المطر شديد هائل، كما تنكرت النار في التمثيل الأول، وقرىء "أو كصائب" وصيب أبلغ : والسماء هذه المظلة. السؤال الخامس : قوله من السماء. ما الفائدة فيه والصيب لا يكون إلا من السماء ؟
الجواب من وجهين : الأول : لو قال. أو كصيب فيه ظلمات. احتمل أن يكون ذلك الصيب نازلاً من بعض جوانب السماء دون بعض/ أما لما قال من السماء دل على أنه عام مطبق آخذ بآفاق السماء فكما حصل في لفظ الصيب مبالغات من جهة التركيب والتنكير أيد ذلك بأن جعله مطبقاً، الثاني : من الناس من قال : المطر إنما يحصل من ارتفاع أبخرة رطبة من الأرض إلى الهواء فتنعقد هناك من شدة برد الهواء ثم تنزل مرة أخرى، فذاك هو المطر ثم إن الله سبحانه وتعالى أبطل ذلك المذهب ههنا بأن بين أن ذلك الصيب نزل من السماء، كذا قوله :﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءً طَهُورًا﴾ (الفرقان : ٤٨) وقوله :﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِنا بَرَدٍ﴾ (النور : ٤٣) السؤال السادس : ما الرعد والبرق ؟
الجواب : الرعد الصوت الذي يسمع من السحاب كأن أجرام السحاب تضطرب وتنتقض وترتعد إذا أخذتها الريح فصوت عند ذلك من الارتعاد والبرق الذي يلمع من السحاب من برق الشيء بريقاً إذا لمع. السؤال السابع : الصيب هو المطر والسحاب فأيهما أريد فما ظلماته ؟
الجواب : أما ظلمات السحاب فإذا كان أسحم مطبقاً فظلمته سحمته وتطبيقه مضمومة إليهما ظلمة الليل، وأما ظلمة المطر فظلمته تكاثفه وانسجامه بتتابع القطر وظلمته إظلال الغمامة مع ظلمة الليل. السؤال الثامن : كيف يكون المطر مكاناً للرعد والبرق وإنما مكانهما السحاب. الجواب : لما كان التعليق بين السحاب والمطر شديداً جاز إجراء أحدهما مجرى الآخر في الأحكام. السؤال التاسع : هلا قيل رعود وبروق كما قيل ظلمات ؟
الجواب : الفرق أنه حصلت أنواع مختلفة من الظلمات على الاجتماع فاحتيج إلى صيغة الجمع، أما الرعد فإنه نوع واحد، وكذا البرق ولا يمكن اجتماع أنواع الرعد والبرق في السحاب الواحد فلا جرم لم يذكر فيه لفظ الجمع. السؤال العاشر : لم جاءت هذه الأشياء منكرات. الجواب : لأن المراد أنواع منها، كأنه قيل فيه ظلمات داجية ورعد قاصف / وبرق خاطف. السؤال الحادي عشر : إلى ماذا يرجع الضمير في "يجعلون". الجواب : إلى أصحاب الصيب وهو وإن كان محذوفاً في اللفظ لكنه باقٍ في المعنى ولا محل لقوله يجعلون لكونه مستأنفاً لأنه لما ذكر الرعد والبرق على ما يؤذن بالشدة والهول فكأن قائلاً قال فكيف حالهم مع مثل ذلك الرعد فقيل يجعلون أصابعهم في آذانهم ثم قال فكيف حالهم مع مثل ذلك البرق فقال :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٥