والجواب : فيه دلالة على كمال القدرة من وجوه : الأول : أن العرش كونه مع أعظم من السموات والأرض كان على الماء فلولا أنه تعالى قادر على إمساك الثقيل بغير عمد لما صح ذلك، والثاني : أنه تعالى أمسك الماء لا على قرار وإلا لزم أن يكون أقسام العالم غير متناهية، وذلك يدل على ما ذكرناه. والثالث : أن العرش الذي هو أعظم المخلوقات قد أمسكه الله تعالى فوق سبع / سموات من غير دعامة تحته ولا علاقة فوقه، وذلك يدل أيضاً على ما ذكرنا.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٢٠
السؤال الثاني : هل يصح ما يروى أنه قيل يا رسول الله، أين كان ربنا قبل خلق السموات والأرض ؟
فقال كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء.
والجواب : أن هذه الرواية ضعيفة، والأولى أن يكون الخبر المشهور أولى بالقبول وهو قوله صلى الله عليه وسلّم كان الله وما كان معه شيء، ثم كان عرشه على الماء.
السؤال الثالث : اللام في قوله :﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا ﴾ يقتضي أنه تعالى خلق السموات والأرض لابتلاء المكلف فكيف الحال فيه ؟
والجواب ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى خلق هذا العالم الكثير لمصلحة المكلفين، وقد قال بهذا القول طوائف من العقلاء، ولكل طائفة فيه وجه آخر سوى الوجه الذي قال به الآخرون، وشرح تلك المقالات لا يليق بهذا الكتاب. والذين قالوا إن أفعاله وأحكامه غير معللة بالمصالح قالوا : لام التعليل وردت على ظاهر الأمر، ومعناه أنه تعالى فعل فعلاً لو كان يفعله من تجوز عليه رعاية المصالح لما فعله إلا لهذا الغرض.
السؤال الرابع : الابتلاء إنما يصح على الجاهل بعواقب الأمور وذلك عليه تعالى محال، فكيف يعقل حصول معنى الابتلاء في حقه ؟
والجواب : أن هذا الكلام على سبيل الاستقصاء ذكرناه في تفسير قوله تعالى في أول سورة البقرة :﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقرة : ٢١).
واعلم أنه تعالى لما بين أنه خلق هذا العالم لأجل ابتلاء المكلفين وامتحانهم فهذا يوجب القطع بحصول الحشر والنشر، لأن الابتلاء والامتحان يوجب تخصيص المحسن بالرحمة والثواب وتخصيص المسيء بالعقاب، وذلك لا يتم إلا مع الاعتراف بالمعاد والقيامة، فعند هذا خاطب محمداً عليه الصلاة والسلام وقال :﴿وَلَـاـاِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِنا بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ ومعناه أنهم ينكرون هذا الكلام ويحكمون بفساد القول بالبعث.
فإن قيل : الذي يمكن وصفه بأنه سحر ما يكون فعلاً مخصوصاً، وكيف يمكن وصف هذا القول بأنه سحر ؟
قلنا : الجواب عنه من وجوه : الأول : قال القفال : معناه أن هذا القول خديعة منكم وضعتموها لمنع الناس عن لذات الدنيا وإحرازاً لهم إلى الانقياد لكم والدخول تحت طاعتكم. الثاني : أن معنى قوله :﴿إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ هو أن السحر أمر باطل، قال تعالى حاكياً عن موسى عليه السلام ﴿مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُا إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُه ا ﴾ (يونس : ٨١) فقوله :﴿إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ أي باطل مبين. الثالث : أن / القرآن هو الحاكم بحصول البعث وطعنوا في القرآن بكونه سحراً لأن الطعن في الأصل يفيد الطعن في الفرع. الرابع : قرأ حمزة والكسائي ﴿إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ﴾ يريدون النبي صلى الله عليه وسلّم والساحر كاذب.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٢٠
٣٢١
اعلم أنه تعالى حكى عن الكفار أنهم يكذبون الرسول صلى الله عليه وسلّم بقولهم :﴿إِنْ هَـاذَآ إِلا سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ فحكى عنهم في هذه الآية نوعاً آخر من أباطيلهم وهو أنه متى تأخر عنهم العذاب الذي توعدهم الرسول صلى الله عليه وسلّم به أخذوا في الاستهزاء ويقولون : ما السبب الذي حبسه عنا ؟
فأجاب الله تعالى بأنه إذا جاء الوقت الذي عينه الله لنزول ذلك العذاب الذي كانوا يستهزؤن به لم ينصرف ذلك العذاب عنهم وأحاط بهم ذلك العذاب. بقي ههنا سؤالات :
السؤال الأول : المراد من هذا العذاب هو عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة ؟
الجواب : للمفسرين فيه وجوه : الأول : قال الحسن : معنى حكم الله في هذه الآية أنه لا يعذب أحداً منهم بعذاب الاستئصال وأخر ذلك إلى يوم القيامة، فلما أخر الله عنهم ذلك العذاب قالوا على سبيل الاستهزاء ما الذي حبسه عنا ؟
والثاني : أن المراد الأمر بالجهاد وما نزل بهم يوم بدر، وعلى هذا الوجه تأولوا قوله :﴿وَحَاقَ بِهِم﴾ أي نزل بهم هذا العذاب يوم بدر.
السؤال الثاني : ما المراد بقوله :﴿إِلَى ا أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾.


الصفحة التالية
Icon