السؤال الأول : ما الشيء الذي لم يستجيبوا فيه ؟
الجواب : المعنى فإن لم يستجيبوا لكم في معارضة القرآن، وقال بعضهم فإن لم يستجيبوا لكم في جملة الإيمان وهو بعيد.
السؤال الثاني : من المشار إليه بقوله :﴿لَكُمْ﴾ ؟
والجواب : إن حملنا قوله :﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ﴾ على المؤمنين فذلك ظاهر، وإن حملناه على الرسول فعنه جوابان : الأول : المراد فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين، لأن الرسول عليه السلام والمؤمنين كانوا يتحدونهم، وقال في موضع آخر فإن لم يستجيبوا لك فاعلم. والثاني : يجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلّم.
السؤال الثالث : أي تعلق بين الشرط المذكور في هذه الآية وبين ما فيها من الجزاء.
والجواب : أن القوم ادعوا كون القرآن مفترى على الله تعالى، فقال : لو كان مفترى على الله لوجب أن يقدر الخلق على مثله ولما لم يقدروا عليه، ثبت أنه من عند الله، فقوله :﴿أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ كناية عن كونه من عند الله ومن قبله، كما يقول الحاكم هذا الحكم جرى بعلمي.
السؤال الرابع : أي تعلق لقوله :﴿وَأَن لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ يعجزهم عن المعارضة.
والجواب فيه من وجوه : الأول : أنه تعالى لما أمر محمداً صلى الله عليه وسلّم حتى يطلب من الكفار أن يستعينوا بالأصنام في تحقيق المعارضة ثم ظهر عجزهم عنها فحينئذ ظهر أنها لا تنفع ولا تضر في شيء من المطالب ألبتة/ ومتى كان كذلك، فقد بطل القول بإثبات كونهم آلهة، فصار عجز القوم المعارضة بعد الاستعانة بالأصنام مبطلاً لإلهية الأصنام ودليلاً على ثبوت نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم، فكان قوله :﴿وَأَن لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ إشارة إلى ما ظهر من فساد القول بإلهية الأصنام : الثاني : أنه ثبت في علم الأصول أن القول بنفي الشريك عن الله من المسائل التي يمكن إثباتها بقول الرسول عليه السلام، وعلى هذا فكأنه قيل : لما ثبت عجز الخصوم عن المعارضة ثبت كون القرآن حقاً، وثبت كون محمد صلى الله عليه وسلّم صادقاً في دعوى الرسالة، ثم إنه كان يخبر عن أنه لا إله إلا الله فلما ثبت كونه محقاً في دعوى النبوة ثبت قوله :﴿أَن لا إِلَـاهَ إِلا أَنتَ﴾ الثالث : أن ذكر قوله ﴿وَأَن لا إِلَـاهَ إِلا هُوَ ﴾ جار مجرى التهديد، كأنه قيل : لما ثبت بهذا الدليل كون محمد عليه السلام صادقاً في دعوى الرسالة وعلمتم إنه لا إله إلا الله، فكونوا خائفين من قهره وعذابه واتركوا الإصرار على الكفر واقبلوا الإسلام ونظيره قوله تعالى في سورة البقرة عند ذكر آية التحدي :﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة أُعِدَّتْ لِلْكَـافِرِينَ﴾ (البقرة : ٢٤).
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٢٧
وأما قوله :﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.
فإن قلنا : إنه خطاب مع المؤمنين كان معناه الترغيب في زيادة الإخلاص. وإن قلنا : إنه خطاب مع الكفار كان معناه الترغيب في أصل الإسلام.
جزء : ١٧ رقم الصفحة : ٣٢٧
٣٢٩
اعلم أن الكفار كانوا ينازعون محمداً صلى الله عليه وسلّم في أكثر الأحوال، فكانوا يظهرون من أنفسهم أن محمداً مبطل ونحن محقون، وإنما نبالغ في منازعته لتحقيق الحق وإبطال الباطل، وكانوا كاذبين فيه، بل كان غرضهم محض الحسد والاستنكاف من المتابعة، فأنزل الله تعالى هذه الآية لتقرير هذا المعنى. ونظير هذه الآية قوله تعالى :﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَه فِيهَا مَا نَشَآءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ (الإسراء : ١٨) وقوله :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَه فِى حَرْثِه ا وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِه مِنْهَا وَمَا لَه فِى الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ (الشورى : ٢٠) وفيه الآية مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن في الآية قولين :
القول الأول : أنها مختصة بالكفار، لأن قوله :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا﴾ يندرج فيه المؤمن والكافر والصديق والزنديق، لأن كل أحد يريد التمتع بلذات الدنيا وطيباتها والانتفاع بخيراتها وشهواتها، إلا أن آخر الآية يدل على أن المراد من هذا العام الخاص وهو الكافر، لأن قوله تعالى :﴿أُوالَـا ـاـاِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِى الآخِرَةِ إِلا النَّارُا وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَـاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لا يليق إلا بالكفار، فصار تقدير الآية : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها فقط، أي تكون إرادته مقصورة على حب الدنيا وزينتها ولم يكن طالباً لسعادات الآخرة، كان حكمه كذا وكذا، ثم القائلون بهذا القول اختلفوا فيه، فمنهم من قال : المراد منهم منكرو البعث فإنهم ينكرون الآخرة ولا يرغبون إلا في سعادات الدنيا، وهذا قول الأصم وكلامه ظاهر.


الصفحة التالية
Icon