فالقول الأول : أنه تعالى صير نوحاً أبا البشر، لأن جميع من بقي كانوا من نسله وعند هذا / قال هذا القائل : إنه لما خرج نوح من السفينة مات كل من كان معه ممن لم يكن من ذريته ولم يحصل النسل إلا من ذريته، فالخلق كلهم من نسله وذريته، وقال آخرون : لم يكن في سفينة نوح عليه السلام إلا من كان من نسله وذريته، وعلى التقديرين فالخلق كلهم إنما تولدوا منه ومن أولاده، والدليل عليه قوله تعالى :﴿وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَه هُمُ الْبَاقِينَ﴾ (الصافات : ٧٧) فثبت أن نوحاً عليه السلام كان آدم الأصغر، فهذا هو المراد من البركات التي وعده الله بها.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦١
والقول الثاني : أنه تعالى لما وعده بالسلامة من الآفات، وعده بأن موجبات السلامة، والراحة والفراغة يكون في التزايد والثبات والاستقرار، ثم إنه تعالى لما شرفه بالسلامة والبركة شرح بعده حال أولئك الذين كانوا معه فقال :﴿وَعَلَى ا أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ واختلفوا في المراد منه على ثلاثة أقوال : منهم من حمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمماً وجماعات، لأنه ما كان في ذلك الوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم، فلهذا السبب جعلهم أمماً، ومنهم من قال : بل المراد ممن معك نسلاً وتولداً قالوا : ودليل ذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا وقد حكم الله تعالى عليهم بالقلة في قوله تعالى :﴿وَمَآ ءَامَنَ مَعَه ا إِلا قَلِيلٌ﴾ (هود : ٤٠) ومنهم من قال : المراد من ذلك مجموع الحاضرين مع الذين سيولدون بعد ذلك، والمختار هو القول الثاني : ومن في قوله :﴿مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ لابتداء الغاية، والمعنى : وعلى أمم ناشئة من الذين معك.
واعلم أنه تعالى جعل تلك الأمم الناشئة من الذين معه على قسمين : أحدهما : الذين عطفهم على نوح في وصول سلام الله وبركاته إليهم وهم أهل الإيمان. والثاني : أمم وصفهم بأنه تعالى سيمتعهم مدة في الدنيا ثم في الآخرة يمسهم عذاب أليم، فحكم تعالى بأن الأمم الناشئة من الذين كانوا مع نوح عليه السلام لا بد وأن ينقسموا إلى مؤمن وإلى كافر. قال المفسرون : دخل في تلك السلامة كل مؤمن وكل مؤمنة إلى يوم القيامة، ودخل في ذلك المتاع وفي ذلك العذاب كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة، ثم قال أهل التحقيق : إنه تعالى إنما عظم شأن نوح بإيصال السلامة والبركات منه إليه، لأنه قال :﴿بِسَلَـامٍ مِّنَّا﴾ وهدا يدل على أن الصديقين لا يفرحون بالنعمة من حيث إنها نعمة ولكنهم إنما يفرحون بالنعمة من حيث إنها من الحق، وفي التحقيق يكون فرحهم بالحق وطلبهم للحق وتوجههم إلى الحق، وهذا مقام شريف لا يعرفه إلا خواص الله تعالى، فإن الفرح بالسلامة وبالبركة من حيث هما سلامة وبركة غير، والفرح بالسلامة والبركة من حيث إنهما من الحق غير، والأول : نصيب عامة الخلق، والثاني : نصيب المقربين، ولهذا السبب قال بعضهم : من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالثاني، ومن آثر العرفان لا للعرفان بل للمعروف فقد خاض لجة / الوصول، وأما أهل العقاب فقد قال في شرح أحوالهم ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فحكم بأنه تعالى يعطيهم نصيباً من متاع الدنيا فدل ذلك على خساسة الدنيا، فإنه تعالى لما ذكر أحوال المؤمنين لم يذكر ألبتة أنه يعطيهم الدنيا أم لا. ولما ذكر أحوال الكافرين ذكر أنه يعطيهم الدنيا، وهذا تنبيه عظيم على خساسة السعادات الجسمانية والترغيب في المقامات الروحانية.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦١
والقول الثاني : أنه تعالى لما وعده بالسلامة من الآفات، وعده بأن موجبات السلامة، والراحة والفراغة يكون في التزايد والثبات والاستقرار، ثم إنه تعالى لما شرفه بالسلامة والبركة شرح بعده حال أولئك الذين كانوا معه فقال :﴿وَعَلَى ا أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ واختلفوا في المراد منه على ثلاثة أقوال : منهم من حمله على أولئك الأقوام الذين نجوا معه وجعلهم أمماً وجماعات، لأنه ما كان في ذلك الوقت في جميع الأرض أحد من البشر إلا هم، فلهذا السبب جعلهم أمماً، ومنهم من قال : بل المراد ممن معك نسلاً وتولداً قالوا : ودليل ذلك أنه ما كان معه إلا الذين آمنوا وقد حكم الله تعالى عليهم بالقلة في قوله تعالى :﴿وَمَآ ءَامَنَ مَعَه ا إِلا قَلِيلٌ﴾ (هود : ٤٠) ومنهم من قال : المراد من ذلك مجموع الحاضرين مع الذين سيولدون بعد ذلك، والمختار هو القول الثاني : ومن في قوله :﴿مِّمَّن مَّعَكَ ﴾ لابتداء الغاية، والمعنى : وعلى أمم ناشئة من الذين معك.


الصفحة التالية
Icon