قلنا : المراد من هذا الكلام استمالة قوم محمد صلى الله عليه وسلّم، لأن قومه كانوا يستعبدون في محمد مع أنه واحد من قبيلتهم أن يكون رسولاً إليهم من عند الله، فذكر الله تعالى أن هوداً كان واحداً من عاد وأن صالحاً كان واحداً من ثمود لإزالة هذا الاستبعاد.
واعلم أنه تعالى حكى عن هود عليه السلام، أنه دعا قومه إلى أنواع من التكاليف.
فالنوع الأول : أنه دعاهم إلى التوحيد، فقال :﴿يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه ا إِنْ أَنتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ﴾ وفيه سؤال وهو أنه كيف دعاهم إلى عبادة الله تعالى قبل أن أقام الدلالة على ثبوت الإله تعالى ؟
قلنا : دلائل وجود الله تعالى ظاهرة، وهي دلائل الآفاق والأنفس وقلما توجد في الدنيا طائفة ينكرون وجود الإله تعالى، ولذلك قال تعالى في صفة الكفار :﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّه ﴾.
قال مصنف هذا الكتاب محمد بن عمر الرازي رحمه الله وختم له بالحسن، دخلت بلاد الهند فرأيت أولئك الكفار مطبقين على الاعتراف بوجود الإله، وأكثر بلاد الترك أيضاً كذلك، وأنما الشأن في عبادة الأوثان، فإنها آفة عمت أكثر أطراف الأرض وهكذا الأمر كان في الزمان القديم، أعني زمان نوح وهود وصالح عليهم السلام، فهؤلاء الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، كانوا يمنعونهم من عبادة الأصنام، فكان قوله :﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ معناه لا تعبدوا غير الله والدليل عليه أنه قال عقيبه :﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه ا ﴾ وذلك يدل على أن المقصود من هذا الكلام منعهم عن الاشتغال بعبادة الأصنام.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٣
وأما قوله :﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُه ا ﴾ فقرىء ﴿غَيْرُه ا ﴾ بالرفع صفة على محل الجار والمجرور، وقرىء بالجر صفة على اللفظ.
ثم قال :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلا مُفْتَرُونَ﴾ يعني أنكم كاذبون في قولكم إن هذه الأصنام تحسن عبادتها، أو في قولكم إنها تستحق العبادة، وكيف لا يكون هذا كذباً وافتراء وهي جمادات لاحس لها ولا إدراك، والإنسان هو الذي ركبها وصورها فكيف يليق بالإنسان الذي صنعها أن يعبدها وأن يضع الجبهة على التراب تعظيماً لها، ثم إنه عليه الصلاة والسلام لما أرشدهم إلى التوحيد ومنعهم عن عبادة الأوثان قال : و﴿مُفْتَرُونَ * يَـاقَوْمِ لا أَسْـاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِىَ إِلا عَلَى الَّذِى فَطَرَنِى ﴾ وهو عين ما ذكره نوح عليه السلام/ وذلك لأن الدعوة إلى الله تعالى إذا كانت مطهرة عن دنس الطمع، قوي تأثيرها في القلب.
ثم قال ﴿أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ يعني أفلا تعقلون أني مصيب في المنع من عبادة الأصنام، وذلك لأن العلم بصحة هذا المنع، كأنه مركوز في بدائه العقول.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٣
٣٦٤


الصفحة التالية
Icon