جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٧
واعلم أنه تعالى لما ذكر قصة عاد خاطب قوم محمد صلى الله عليه وسلّم، فقال :﴿عَادٌا جَحَدُوا ﴾ فهو إشارة إلى قبورهم وآثارهم، كأنه تعالى قال : سيروا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا. ثم إنه تعالى جمع أوصافهم ثم ذكر عاقبة أحوالهم في الدنيا والآخرة، فأما أوصافهم فهي ثلاثة.
الصفة الأولى : قوله :﴿جَحَدُوا بِـاَايَـاتِ رَبِّهِمْ﴾ والمراد : جحدوا دلالة المعجزات على الصدق، أو الجحد، ودلالة المحدثات على وجود الصانع الحكيم، إن ثبت أنهم كانوا زنادقة.
الصفة الثانية : قوله :﴿وَعَصَوْا رُسُلَه ﴾ والسبب فيه أنهم إذا عصوا رسولاً واحداً، فقد عصوا جميع الرسل لقوله تعالى :﴿لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِه ﴾ (البقرة : ٢٨٥) وقيل : لم يرسل إليهم إلا هود عليه السلام.
الصفة الثالثة : قوله :﴿وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ والمعنى أن السفلة كانوا يقلدون الرؤساء في قولهم :﴿مَا هَـاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ (المؤمنون : ٢٤) والمراد من الجبار المرتفع المتمرد العنيد العنود والمعاند، وهو المنازع المعارض.
واعلم أنه تعالى لما ذكر أوصافهم ذكر بعد ذلك أحوالهم فقال :﴿وَأُتْبِعُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ أي جعل اللعن رديفاً لهم، ومتابعاً ومصاحباً في الدنيا وفي الآخرة/ ومعنى اللعنة الإبعاد من رحمة الله تعالى ومن كل خير.
ثم إنه تعالى بين السبب الأصلي في نزول هذه الأحوال المكروهة بهم فقال :﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ﴾ قيل : أراد كفروا بربهم فحذف الباء، وقيل : الكفر هو الجحد فالتقدير : ألا إن عاداً جحدوا ربهم. وقيل : هو من باب حذف المضاف أي كفروا نعمة ربهم.
ثم قال :﴿أَلا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾ وفيه سؤالان :
السؤال الأول : اللعن هو البعد، فلما قال :﴿وَأُتْبِعُوا فِى هَـاذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَـامَةِ ﴾ فما الفائدة في قوله :﴿أَلا بُعْدًا لِّعَادٍ﴾.
والجواب : التكرير بعبارتين مختلفتين يدل على غاية التأكيد.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٧
السؤال الثاني : ما الفائدة في قوله :﴿لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾.
الجواب : كان عاد عادين، فالأولى : القديمة هم قوم هود، والثانية : هم إرم ذات العماد، فذكر ذلك لإزالة الاشتباه. والثاني : أن المبالغة في التنصيص تدل على مزيد التأكيد.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٧
٣٦٨
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة وهي قصة صالح مع ثمود، ونظمها مثل النظم المذكور في قصة هود، إلا أن ههنا لما أمرهم بالتوحيد ذكر في تقريره دليلين :
الدليل الأول : قوله :﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الارْضِ﴾ وفيه وجهان :
الوجه الأول : أن الكل مخلوقون من صلب آدم، وهو كان مخلوقاً من الأرض. وأقول : هذا صحيح لكن فيه وجه آخر وهو أقرب منه، وذلك لأن الإنسان مخلوق من المني ومن دم الطمث، والمني إنما تولد من الدم، فالإنسان مخلوق من الدم، والدم إنما تولد من الأغذية، وهذه الأغذية إما حيوانية وإما نباتية، والحيوانات حالها كحال الإنسان، فوجب انتهاء الكل إلى النبات وظاهر أن تولد النبات من الأرض، فثبت أنه تعالى أنشأنا من الأرض.
والوجه الثاني : أن تكون كلمة ﴿مَنِ﴾ معناها في التقدير : أنشأكم في الأرض، وهذا ضعيف لأنه متى أمكن حمل الكلام على ظاهره فلا حاجة إلى صرفه عنه، وأما تقرير أن تولد الإنسان من الأرض كيف يدل على وجود الصانع فقد شرحناه مراراً كثيرة.
الدليل الثاني : قوله :﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ وفيه ثلاثة أوجه : الأول : جعلكم عمارها، قالوا : كان ملوك فارس قد أكثروا في حفر الأنهار وغرس الأشجار، لا جرم حصلت لهم الأعمار الطويلة فسأل نبي من أنبياء زمانهم ربه، ما سبب تلك الأعمار ؟
فأوحى الله تعالى إليه أنهم عمروا بلادي فعاش فيها عبادي، وأخذ معاوية في إحياء أرض في آخر عمره فقيل له ما حملك عليه، فقال : ما حملني عليه إلا قول القائل :
ليس الفتى بفتى لا يستضاء به
ولا يكون له في الأرض آثار
الثاني : أنه تعالى أطال أعماركم فيها واشتقاق ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ﴾ من العمر مثل استبقاكم من البقاء. والثالث : أنه مأخوذ من العمرى، أي جعلها لكم طول أعماركم فإذا متم انتقلت إلى غيركم.
جزء : ١٨ رقم الصفحة : ٣٦٨
٣٦٨
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة وهي قصة صالح مع ثمود، ونظمها مثل النظم المذكور في قصة هود، إلا أن ههنا لما أمرهم بالتوحيد ذكر في تقريره دليلين :
الدليل الأول : قوله :﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الارْضِ﴾ وفيه وجهان :


الصفحة التالية
Icon