﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص : ١) و﴿الرَّسُولُ بِمَآ﴾ (البقرة : ٢٨٥) وآية الكرسي ما لم يجيء مثله في فضيلة قوله :﴿وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ﴾ (البقرة : ٢٢٢) وقوله :﴿يُظْلَمُونَ * يَـا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ﴾ (البقرة : ٢٨٢) وذلك يدل على أن هذا العلم أفضل. وسابعها : أن الآيات الواردة في ا لأحكام الشرعية أقل من ستمائة آية، وأما البواقي ففي بيان التوحيد والنبوة والرد على عبدة الأوثان وأصناف المشركين، وأما الآيات الواردة في القصص فالمقصود منها معرفة حكمة الله تعالى وقدرته على ما قال :﴿لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لاوْلِى الالْبَـابِ ﴾ (يوسف : ١١١) فدل ذلك على أن هذا العلم أفضل، ونشير إلى معاقد الدلائل : أما الذي يدل على وجود الصانع فالقرآن مملوء منه. أولها : ما ذكر ههنا من الدلائل الخمسة وهي خلق المكلفين وخلق من قبلهم، وخلق السماء وخلق الأرض، وخلق الثمرات من الماء النازل من السماء إلى الأرض، وكل ما ورد في القرآن من عجائب السماوات والأرض، فالمقصود منه ذلك، وأما الذي يدل على الصفات. أما العلم فقوله :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَىْءٌ فِي الارْضِ وَلا فِى السَّمَآءِ﴾ ثم أردفه بقوله :﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الارْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ ﴾ (آل عمران : ٥، ٦) وهذا هو عين دليل المتكلمين فإنهم يستدلون بأحكام الأفعال واتقانها على علم الصانع، وههنا استدل الصانع سبحانه بتصوير الصور في الأرحام على كونه عالماً بالأشياء، وقال :﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (ا لملك : ١٤) وهو عين تلك الدلالة وقال :﴿وَعِندَه مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَآ إِلا هُوَ ﴾ (الأنعام : ٥٩) وذلك تنبيه على كونه تعالى عالماً بكل المعلومات، لأنه تعالى مخبر عن المغيبات فتقع تلك الأشياء على وفق ذلك الخبر، فلولا كونه عالماً بالمغيبات وإلا لما وقع كذلك، وأما صفة القدرة فكل ما ذكر سبحانه من حدوث الثمار المختلفة والحيوانات المختلفة مع استواء الكل في الطبائع الأربع فذاك يدل على كونه سبحانه قادراً مختاراً لا موجباً بالذات، وأما التنزيه فالذي يدل على أنه ليس بجسم، ولا في مكان قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩
﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ فإن المركب مفتقر إلى أجزائه والمحتاج محدث، وإذا كان أحداً وجب أن لا يكون جسماً وإذا لم يكن جسماً لم يكن في المكان، وأما التوحيد فالذي يدل عليه قوله :﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ﴾ و(الأنبياء : ٢٢) قوله :﴿إِذًا ابْتَغَوْا إِلَى ذِى الْعَرْشِ سَبِيلا﴾ (الأَسراء : ٤٢) وقوله :﴿وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾ (المؤمنون : ٩١) وأما النبوة فالذي يدل عليها قوله ههنا :﴿وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِه ﴾ (البقرة : ٢٣) وأما المعاد فقوله :﴿قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِى أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (يس : ٧٩) وأنت لو فتشت علم / الكلام لم تجد فيه إلا تقرير هذه الدلائل والذب عنها ودفع المطاعن والشبهات القادحة فيها، أفترى أن علم الكلام يذم لاشتماله على هذه الأدلة التي ذكرها الله أو لاشتماله على دفع المطاعن والقوادح عن هذه الأدلة ما أرى أن عاقلاً مسلماً يقول ذلك ويرضى به. وثانيها : أن الله تعالى حكى الاستدلال بهذه الدلائل عن الملائكة وأكثر الأنبياء أما الملائكة فلأنهم لما قالوا :﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ (البقرة : ٣٠) من يفسد فيها كان المراد أن خلق مثل هذا الشيء قبيح، والحكيم لا يفعل القبيح، فأجابهم الله تعالى بقوله :﴿إِنِّى أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾ والمراد إني لما كنت عالماً بكل المعلومات كنت قد علمت في خلقهم وتكوينهم حكمة لا تعلمونها أنتم، ولا شك أن هذا هو المناظرة، وأما مناظرة الله تعالى مع إبليس فهي أيضاً ظاهرة وأما الأنبياء عليهم السلام فأولهم آدم عليه السلام وقد أظهر الله تعالى حجته على فضله بأن أظهر علمه على الملائكة وذلك محض الاستدلال، وأما نوح عليه السلام فقد حكى الله تعالى عن الكفار قولهم :﴿قَالُوا يَـانُوحُ قَدْ جَـادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا﴾ (هود : ٣٢) ومعلوم أن تلك المجادلة ما كانت في تفاصيل الأحكام الشرعية بل كانت في التوحيد والنبوة، فالمجادلة في نصرة الحق في هذا العلم هي حرفة الأنبياء، وأما إبراهيم عليه السلام فالاستقصاء في شرح أحواله في هذا الباب يطول وله مقامات : أحدها : مع نفسه وهو قوله :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٣١٩


الصفحة التالية
Icon